فلسطين أون لاين

حدُّ السيف.. يوم أن وقع كنز استخباري في قبضة "القسام"

...
صورة أرشيفية
غزة/ أدهم الشريف:

مساء الـ11 من تشرين الآخر (نوفمبر) 2018م، وحين كان الظلام يخيَّم على مدينة خان يونس، جنوبي قطاع غزة، ظنَّت قوة "كوماندوز" تابعة لجيش الاحتلال أنه الوقت المناسب لتنفيذ مهامها السرية التي من أجلها تسللت إلى القطاع الساحلي الذي يقطنه أكثر من مليوني نسمة، وتتعدد فيه قوى المقاومة المسلحة التابعة للفصائل الفلسطينية.

لكن هذه القوة -وإن كانت مؤهلة وأفرادها مدربين جيدًا- لم تدرك على ما يبدو أنها قد تقع في أي لحظة في قبضة كتائب الشهيد عز القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، التي لديها أيضًا مقاتلون مدربون ومؤهلون عسكريًّا.

وبالفعل؛ في ذلك اليوم تمكنت قوة تتبع القسام من كشف قوة الـ"كوماندوز" التي كانت تتخفى داخل مركبة مدنية في منطقة مسجد الشهيد إسماعيل أبو شنب ببلدة عبسان الكبيرة، شرق خان يونس.

وفي إثر انكشاف القوة بدأ مقاتلو "القسام" التعامل مع القوة المعادية، ودار اشتباك مسلح أدى إلى استشهاد القائد نور بركة، والمقاوِم القسامي محمد ماجد القرا.

وخلال تصدي القسام للقوة الخاصة، واشتباكها معها وجهًا لوجه شرق خان يونس، قتل ضابط كبير في جيش الاحتلال وجرح آخر، وتحت غطاء قصف جوي عنيف من طيران الاحتلال بأنواعه كافة لمكان الحدث، انتزعت طائرة حربية القتيل والمصاب، وسحبت قوتها الفاشلة.

واستشهد في أثناء عمليات المطاردة والاشتباك المقاومون القساميون: علاء الدين فسيفس، ومحمود مصبح، ومصطفى أبو عودة، وعمر أبو خاطر، وخالد قويدر من ألوية الناصر صلاح الدين.

ويشار إلى أن قوات "القسام" استمرت بمطاردة القوة والتعامل معها حتى السياج الفاصل رغم الغطاء الناري الجوي الكثيف، وأوقعت في صفوفها خسائر فادحة.

وكان تمكن القسام من إحباط هذه العملية، في نظر الجميع من مراقبين ومحللين ومواطنين، انتصارًا جديدًا لغزة بعد كشف القوة الهاربة، وإفشال إكمال مهامها التي حاولت تنفيذها سرًّا.

ونعت القسام جنودها، وأقامت لهم حفل تأبين، وكان الجميع فخورًا بهم، وسمت العملية "حد السيف".

وفي تقارير نشرتها القسام لاحقًا، قالت: "إن الوحدة الخاصة التي تسللت لغزة ونفذت مهامها هي "سيرت متكال- وحدة الكوماندوز رقم 1 في جيش الاحتلال"، تتبع مهنيًّا ركن الاستخبارات في الجيش، وتتبع إداريًّا هيئة الأركان العامة، ورئيس أركان الجيش".

وأسست الوحدة في نهاية عام1957م بمبادرة من الرقيب الإسرائيلي إبراهام أرنان، لكن الموافقة على تأسيسها رسميًّا لم تصدر إلا في نهاية الثمانينيات من القرن العشرين، وللوحدة شعار: "المغامر المنتصر"، وهو شعار مماثل للوحدة المماثلة لها في الجيش البريطاني "وحدة الأشباح".

ووفق معلومات أوردها موقع القسام، لم تكن هذه المرة الأولى التي تمنى فيها وحدة "سيرت متكال" بالفشل، فقد فشلت في تنفيذ عملية بالجانب المصري لقناة السويس، بالاشتراك مع وحدة "شييطت"، وأدى ذلك إلى انسحاب القوة بعدما جابهها بنيران كثيفة الجانب المصري، وقتل في إثرها ضابط الوحدة آنذاك الملازم أول حاييم بن يونا.

كما فشلت في إنقاذ طيار أُسقطت طائرته في الجبهة المصرية في حرب أكتوبر 1973م، إذ أُسر الطيار قبل تنفيذ مهمة الإنقاذ، وفي هذه العملية لقي أحد عناصر الوحدة مصرعه، إضافة إلى حادثة "معلوت" حينما فشلت الوحدة في إنقاذ عدد من الإسرائيليين احتجزتهم المقاومة الفلسطينية رهائن في 18 نوفمبر 1988م.

استهداف حافلة جند

كما منيت الوحدة بفشل ذريع على أيدي مجاهدي كتائب القسام، في عملية إنقاذ الجندي الأسير "نخشون فكسمان" عام 1994م، وهي محاولة إنقاذ فاشلة لجندي أسرته كتاب القسام في القدس المحتلة، وخلال محاولة الإنقاذ هذه قُتل قائد الوحدة المهاجمة النقيب نير بوراز، والجندي الأسير فكسمان.

وكان آخر فشل منيت به سقوطها المدوّي في مدينة خان يونس، بعدما اكتشفت كتائب القسام أمر القوة المتسللة.

وبعد عملية خان يونس، غنمت القسام بعض المعدات التي كانت وحدة الـ"كوماندوز" الاحتلالية تستخدمها، في حين أكد رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية أن كنزًا استخباريًّا بات في يد القسام.

يشار إلى أن رقابة الاحتلال الإسرائيلي منعت تداول وسائل الإعلام العبرية أو رواد التواصل الاجتماعي الإسرائيليين أخبارًا تتعلق بالعملية الفاشلة، ومنعت نشر صور عناصر القوة الخاصة التي كشفتها كتائب القسام.

ونشرت القسام صور سبعة عناصر في وحدة "الكوماندوز" المذكورة مطلوبين لها.

وقررت المقاومة في اليوم التالي للعملية قصف مستوطنات ومواقع الاحتلال، واستهدفت حافلة لجنوده في منطقة أحراش "مفلاسيم" شرق جباليا بصاروخ موجه من طراز "كورنيت".

وتمكنت المقاومة من تلقين الاحتلال درسًا قاسيًا، وجعلت منظومته الاستخبارية أضحوكةً للعالم، فرغم حشد كل هذه القوى للعملية الفاشلة استطاعت المقاومة دحره، وأجبرته على الفرار وهو يجر أذيال الخيبة والفشل.