فلسطين أون لاين

​مبنى نقابة المحامين في دائرة الضوء.. اتهامات بتبديد أموال!

...
تحقيق/ محمد أبو شحمة:

كم بلغت تكلفة تشييد مبنى نقابة المحامين؟ لماذا لم يتطابق المبلغ المصروف مع فواتير التكلفة؟ هل التزمت النقابة بمعايير الشفافية والنزاهة؟

لا يختلف اثنان على أهمية امتلاك كل المؤسسات الأهلية الفلسطينية مقرات دائمة لها، ولا يجادل أحد في هذا الحق المكفول بحسب القانون الأساسي لتلك المؤسسات، لكن ما حدث في نقابة المحامين من خلافات بين مجالس النقابة وجمعيتها العامة، خاصة بعد رفض الأخيرة اعتماد التقارير المالية والإدارية التي قدمها المجلس الحالي، كشف النقاب عن شبهات مختلفة في أداء نقابة المحامين الفلسطينيين.

صحيفة فلسطين تقصت أسباب الخلاف، ووجدت عدداً من القضايا المهمة التي أثيرت، ومن بينها ملف مبنى النقابة، وسعت للحصول على إجابات واضحة للكثير من التساؤلات التي وجهتها الهيئة العامة لمجلس النقابة، الذي كان يشرف على عملية تشييد المبنى في مرحلته الأولى في عام 2012.

خلال خمسة أشهر ومنذ فشل اجتماع الجمعية العمومية في شهر إبريل/نيسان الماضي، عمل "معد التحقيق" على جمع الوثائق والفواتير المتعلقة بكل تفاصيل بناء مقر النقابة في غزة، ليكتشف فروقات بين القيمة المعلنة للتكاليف وفق الوثائق التي لدينا، وبين ما صرف فعلياً على البناء، ما يشير إلى وجود شبهة فساد.

ويتكون المبنى في مرحلته الأولى من طابقين هما (بدروم وطابق أرضي) بمساحة إجمالية (1055) مترًا مربعًا، تم بناؤه على قطعة أرض خصصتها "تخصيص منفعة" سلطة الأراضي في سبتمبر/أيلول 2005، وفق وثائق وتأكيدات محامين وأطر نقابية.

القيمة الحقيقية للمشروع بالكامل عند الترسية بلغت (379,948.56) دولارًا، في حين بلغت تكاليف الأعمال الإضافية التي أضيفت بعد الترسية (189,901) دولار، ليصل المبلغ الكلي المصروف إلى (569,849.56) دولارًا، وقد شكلت الأعمال الإضافية 49.98% زيادة على القيمة الأصلية للعقد.

ووصل رصيد المبنى المفصح عنه في القوائم المالية (2,428,804.62) شيقل، أي ما يعادل (647,681.23) دولار، على فرض أن سعر الصرف 3.75 شيقل، أي بفارق (77,831.67) دولارًا أخرى تضاف إلى قيمة العقد الأصلية والإضافات.

ويرجع هذا الفرق وفق ما توصل إليه مُعِدُّ التحقيق، إلى أن رصيد المبنى المفصح عنه في القوائم المالية يشتمل على أتعاب المقاول (قيمة المستخلصات)، وأتعاب المهندس المشرف، ونفقات أخرى ذات علاقة بالمبنى.

وبلغت تكلفة المتر المربع الواحد من المشروع حسب المستخلص النهائي (540.14 دولارًا)، وهو مبلغ كبير نسبيًّا حسب سوق الإنشاءات في غزة، وفق ما تثبته الوثائق الموجودة لدى معد التحقيق.

كما كشف معد التحقيق أن جميع الأعمال الإضافية على العقد، اعتمدت قيمة الأعمال فيها من الاستشاري بالتفاوض مع المقاول، دون وجود تحليل سعر للبنود الإضافية، أو استجلاب عروض أسعار حولها، وهو ما يضع علامة استفهام حول تلك الآلية.

وتظهر الوثائق أن النقابة صرفت شيكات لعدد من الموردين لصالح مشروع الطابقين دون أي مستند يعزز قرار الصرف، ودون أي وصف لسبب الصرف، ودون إرفاق هوية المستفيد، ودون تحرير عقد.

وتبين أن المستخلص الختامي معتمد من المقاول والمهندس المشرف، ولم يعتمد من المدير المالي للمشروع أو النقابة، إضافة لعدم وجود فواتير ضريبية مقدمة من المقاول مع المستخلص أو خلو طرف من دائرتي ضريبة الدخل والقيمة المضافة، وفق الوثائق الموجودة لدى معد التحقيق.

ويتضح من الوثائق أن شيكات بمبالغ مالية مرتفعة صرفت للمقاول دون أي مؤيد للصرف.

كما حرر مجلس النقابة شيكات مقابل أعمال سور المبنى بمبلغ (15,000) شيقل دون إرفاق فاتورة ضريبية، أو أي مستند يثبت النفقة، ودون أي وصف لسبب النفقة، ودون إرفاق هوية المستفيد، ودون تحرير عقد معتمد من مجلس الإدارة.

وتبين لدى معد التحقيق أنه لم تشكل لجنة للبت في العطاء لدراسة توصيات اللجنة الفنية، وإنما هناك رسالة ترسية من نقيب المحامين لإحدى الشركات بعينها، كذلك لم يكن هناك أي محاضر استلام نهائية للمشروع أو أي صورة عن كفالة الصيانة للمشروع.

وخلال فترة البناء ظهر وجود مخالفات مالية من قبل مجلس النقابة عند صرف المبالغ المالية للموردين وللشركات التي يتم التعاقد معها لصالح المبنى، حيث كان يتم التعاقد بأسماء أصحاب شركات، ثم يتم الصرف بأسماء أشخاص آخرين.

كذلك عمل مجلس النقابة على التعاقد مباشرة مع أحد المكاتب الاستشارية لتصميم الإضافات دون طرح مناقصة عامة لجميع المكاتب الاستشارية.

وبلغت قيمة المبلغ الذي حصل عليه هذا المكتب (42,000) دولار، في حين كان المبلغ حسب الاتفاقية المبرمة معه من قبل النقابة (35,000) دولار، بحسب الوثائق.

شركة أبناء شنن، على لسان مديرها حسين شنن، أكدت إصدارها فواتير ضريبية موثقة بجميع الأعمال وما تم الحصول عليه من أموال النقابة، ولكن الوثائق التي حصل عليها الصحفي كشفت تباينًا بين أرقام المقاول وأرقام النقابة.

معد التحقيق وضع الوثائق الموجودة لديه بين يدي المختص في الشؤون المالية، عبد الكريم عاشور، الذي أكد وجود شبهة فساد وخلل محاسبي في أموال مبنى نقابة المحامين في مرحلته الأولى.

وأكد عاشور أن مجموعة من المبالغ المالية التي تقدر بعشرات الآلاف من الدولارات صرفت بدون أي مرفقات واضحة للجهات التي صرفت لها، أو تثبت استلام الشركات المنفذة لها، وهو ما يضع النقابة أمام شبهة فساد حقيقية.

وأوضح أن الوثائق كشفت عن مبالغ صرفت دون وجود أي سندات قبض مقابلة لها من الشركة المستلمة، أو فاتورة ضريبية للجهة المستفيدة (النقابة)، وهو ما يعني خللاً محاسبيًا سواء كان بقصد أو بدون؟

تشكيك خارجي

المحامي محمد طالب عضو الحراك النقابي في نقابة المحامين، أكد للصحيفة أن مجلس النقابة أهدر أموال النقابة من خلال التجاوزات الواضحة للقيمة الإجمالية للمبنى، وعدم تقديمه وثائق تثبت دقة ما تم صرفه. ويقول طالب: "هناك تجاوزات مالية خطيرة في التكلفة الإجمالية لمبنى النقابة، وأبرز دليل على ذلك الملاحظة المالية التي دونتها شركة طلال أبو غزالة للتدقيق المالي، وهي وجود خلل في النظام المالي الخاص بالنقابة".

وأوضح أن عددًا من المحامين تقدموا بشكاوى إلى النيابة العامة للتحقيق في التجاوزات المالية الموجودة في النقابة.

شركة طلال أبو غزالة وشركاه للتدقيق والمحاسبة (المدقق الخارجي للنقابة)، كشفت في تقريرها وجود خلل في النظام المالي للنقابة، حيث لا توجد وحدة تدقيق داخلية تراجع المعاملات المالية قبل الصرف وبعده.

وبين تقرير المدقق الخارجي أن حسابات المشاريع يجهزها المحاسب الخاص بالمشروع دون تنسيق مباشر مع الدائرة المالية للنقابة.

شبهة فساد


ممثل التجمع الديمقراطي للمحامين والقانونيين المحامي ماهر العطار، أكد وجود مؤشرات فساد في مشروع إنشاء مقر النقابة، خاصة أن المجلس الحالي لم يعرض أي فواتير رسمية على الجمعية العمومية. وقال العطار: "هل يعقل أن يكلف مبنى النقابة كل هذه الأرقام دون تقديم إثباتات رسمية لأعضاء الجمعية العمومية من مجلس النقابة في حينها؟!".

وأوضح أنهم طلبوا من مجلس نقابة المحامين تزويدهم بفواتير رسمية للنفقات الخاصة بالمبنى تثبت صدق المبلغ المعلن عنه، حيث قدم أكثر من طلب مكتوب، ولكن لم يأتِ أي رد.


أرقام مبالغ فيها

كذلك أكد المحامي محمد ياسين ممثل الاتحاد الإسلامي في النقابة أن الأموال التي أنفقت على تشييد مبنى النقابة غير منطقية ومبالغ فيها.

وقال ياسين: "ندعو لتشكيل لجنة تحقيق محايدة تقدر ما أنفق، ويكون أعضاؤها مختصين ومهندسين، وبعض أعضاء الهيئة العامة لنقابة المحامين، وعرض التكلفة الحقيقية للمبنى الذي نعتقد أن فيه مبالغة كبيرة في الإنفاق.

وأوضح أن كل الأموال التي صرفت على المبنى لم تقدم أي فواتير تؤكد صحتها إلى أعضاء الهيئة العامة لنقابة المحامين، وفق القانون الذي يعطي الحق لكل عضو فيها معرفة تفاصيل صرف تلك الأموال.

مُعِدُّ التحقيق خاطب نقابة المحامين من أجل مقابلة صحافية مع نائب النقيب المحامي عبد العزيز الغلاييني في غزة، لمواجهته فيما تم التوصل إليه وتوثيقه، والحصول على رده حول ذلك.

وبعد ثلاثة أيام من إرسال كتاب عبر البريد إلى النقابة، جاء رد الغلاييني في رسالة مكتوبة: "أن مبنى نقابة المحامين أنشئ عام 2011-2012، وقد نوقش الموضوع سابقًا، وأعيدت مناقشته مرة أخرى ضمن التقرير الإداري والمالي لعام 2012".

يقول الغلاييني: "تمت المصادقة على التقريرين وفقًا للقانون، وتمت مناقشة الموضوع مرة ثالثة عبر هيئة الرقابة المالية والإدارية عام 2015، وتبعًا لذلك لم يتم رصد أي تجاوز أو مخالفة من قبل النقابة الأمر الذي يمسي معه أي نقاش في هذا الموضوع غير مُجدٍ".

وعدَّ الغلاييني نقاش هذه القضية "إساءة إلى نقابة المحامين وتاريخها وتدخلاً في شؤونها الداخلية".

ملف مقر النقابة واحد من الملفات التي تسعى الصحيفة لكشف التجاوزات فيها، وفي ظل ما توصل له التحقيق حول التجاوزات الموثقة في الأموال التي صرفت على مبنى نقابة المحامين في مرحلته الأولى، يظل تساؤل المحامين مفتوحًا: من الذي سيحاسب ويدقق أكثر في أموالهم المصروفة؟