فلسطين أون لاين

​السودان أولى محطاته

أسامة الأشقر .. رحَّالةٌ يستكشف ماضياً لم يُشرَح

...
صورة أرشيفية لأسامة الأشقر
غزة - عبد الرحمن الطهراوي

"من أراد التعمق في قراءة تاريخ منطقة فعليه أن يطوف في أركانها ويستمع إلى حكايات أمكنتها وثقافة الشعوب الشفوية فيها".. هكذا يتحدث الدكتور الفلسطيني أسامة الأشقر عن رحلاته الجوالة في ربوع الأرض لاستكشاف معالمها وتاريخها غير المعلوم.

أحب الأشقر رحلات الاستكشاف منذ طفولته، رغم أن هذا الشغف كاد أن ينطفئ لولا تنقلات أسرته ثم توسع علاقاته في مرحلة الدراسة الجامعية وسفره إلى رفاق الدراسة في صحارى جزيرة العرب وسواحلها.

ويقول الأشقر: "نشأت في خليج البحر الأبيض أرى الجبال تحيط بي وأمامي عالم البحار وزوارق البحر؛ وكنت أتمنى لو خضتُه وصعدت الجبل في طفولتي"، مبيناً أن الرحلة عنده ليست متعة، بل هي بحث ونظر وزيادة معرفة وإجابة عن أسئلة تاريخية وواقعية لم تشرحها لنا الكتب والمدونات.

ولم يكن ضيفنا مختصاً بالدراسات المقدسية بل في الأصل ناقد أدبي مطلع على تاريخ الأدب وفلسفة اللغة، وهذه العلوم الإنسانية متصلة الأرحام مشدودة الأوصال ببعضها فتطور التاريخ الأدبي إلى التاريخ المكاني.

الرحلة العجيبة

يضيف الأشقر: "كنتُ إذا نزلتُ أي مكان أحرص على قراءة كل ما يتعلق به وما يتعلق بالإنسان الساكن فيه فنمَتْ لديّ المعرفة المتخصصة بالتراث والآثار والتاريخ الشفوي والأنساب في سوريا والحجاز ثم السودان التي أكملت دراساتي العليا في جامعة الخرطوم العريقة فيها".

واختار السودان كأول محطاته الاستكشافية بسبب طول مكوثه فيها ومعرفته بأهلها واطلاعه على قبائلها وعاداتها كما أن الناس لا يكادون يعرفون شيئاً عن السودان فتأكد حرصه على التعريف بهذا البلد القديم.

وزار الأشقر غالبية المدن السودانية ومئات القرى والضواحي فيها على مدار عامين مع فريق عمل كبير لتصوير أفلام وثائقية عن السودان وتاريخه وأهله؛ وهي أضخم عمل وثائقي عن بلد بعينه، إذ يتضمن الجزء الأول 52 حلقة، في ظل احتمالية إكمال الجزء الثاني.

ويتابع حديثه عن أرض السودان قائلاً: "هي قارةٌ عريضة فيها أعراق متعددة وعشرات اللغات المحلية ولذلك تجد تنوّعاً هائلاً في العادات والتقاليد والتراث الشعبي يتأثر بالمكان الجبلي أو الصحراوي أو الساحلي أو السهلي"، لافتاً إلى أن اكتشافاته في أرض السمر ستخرج في كتاب ضخم مصحوباً بصور مفصلة عن هذه الرحلة العجيبة.

وواصل: "مما شدني إلى السودان أنها أرض عريقة جداً فيها أقدم التجمعات الاستيطانية البشرية في العصور الحجرية كحضارة الشهيناب في شمال أم درمان وحضارة سنجة في ولاية سنار، وكذلك حضارات فرعونية قديمة كحضارات كوش ومروي ونبتة ولا سيما الأسر الفرعونية الثامنة عشرة والخامسة والعشرين إضافة إلى الممالك المسيحية قبل الإسلام.

ولكن الأروع في السودان هو مسار النيل الكبير الذي يضم حكاية النيل القوي الفتيّ في نحو 2000 كلم تمر في السودان في انحناءات وشلالات وخوانق، ومواضع يعرض فيها النيل إلى أكيال أو يضيق في جزر كبيرة وصغيرة، وبعض الجزر فيها يتوه المرء فيها من ضخامتها واتساع مساحتها مثل مقرات وأقل منها الجزيرة أبا في النيل الأبيض وتوتي في العاصمة الخرطوم.

أراك البحر

وعن "أراك البحر" في تلك القرى الخشبية المنتشرة على الجبال الجرداء يقترب منك أطفال صغار يعرضون أغصانا خضراء للبيع بأسعار زهيدة جداً، إنها أغصان الأراك التي تعيش في رمال ملحية في أجواء شديدة الحرارة والرطوبة وتصر على خضرتها رغم قساوة الطبيعة.

ويزيد في الوصف: "أوراقها منتفخة قليلاً وملمسها بلاستيكي ناعم، تحب أكله الإبل فيجود لبنها ويغزر، حملت معي أعواداً منها وقدمته لرفاق الطريق قبل أن نبدأ رحلة العودة معلنين انتهاء جولتنا السابعة في أرض السمر".

وفتحت اكتشافات الأشقر للسودان آفاق بحث تاريخي عميقة، وأخرى في التنمية والاقتصاد من خلال إمكانات طبيعية غير مستثمرة في الزراعة والتعدين والصيد البري والبحري والسياحة، مؤكداً أنه من أراد أن يتمكن في فهمه للمجتمعات أو يتعمق في قراءة تاريخ منطقة فعليه أن يطوف في أركانها ويستمع إلى حكايات أمكنتها وثقافة الشعوب الشفوية فيها.

وأوضح أنه اضطر لسلك مواضع خطرة في الصحراء الشمالية القاحلة والغنية بالمعادن أو في مناطق جبلية أو غابية لا تصل لها شبكات الطرق، والتي تنقطع تماماً في مواسم المطر؛ كما كان يدخل أحياناً في مناطق لا ترى غرباء دهوراً فيحتاج الأشقر للكثير من الوسطاء لطمأنتهم والتعريف بطبيعة عمله.

وأشار إلى أن غياب بعض المعلومات المتعلقة بثقافة المنطقة كان سبباً في تعطل بعض أعماله، كإقدامه على شراء الطعام وهم في ضيافة أحد شيوخ المنطقة أو زيارته لأحد الرموز خلال التجوال والغفلة عن زيارة آخرين دون قصد.

وختم الأشقر حديثه بالتعبير عن تألمه من ندرة تواجد رحّالة عرب أو مسلمين وصلوا إلى أرض السمر ودخلوا أعماقها، قائلا: "يمكننا أن نعد ابن بطوطة الذي وصل إلى سواكن على البحر الأحمر، وأوليا جلبي الذي وصل إلى شمال السودان، ومحمد خير التونسي الذي وصل إلى بعض مواضع الغرب ، لكن الرحالة الأشهر والذين وثقوا لنا الكثير كانوا أجانب".