لا شك أن الحياة بعد ميلاد منصات التواصل الاجتماعي ليست كما قبلها، فقد غيّرت الكثير من معطيات الحياة وأنماطها، فما كان قبل ميلادها صعباً ومجهولًا، صار معها سهلاً ومعروفاً، وبات بإمكان أي شخص في شرق الارض وهو نائم في سريره معرفة ما يدور في غربها قبل أن يرتد إليه جفنه، ويدلي بدلوه قبل أن يدخل في عالم النوم.
كما أن هذه المنصات غيرت قواعد المعاملة مع الآخر سواء "صديق أو عدو" وأصبحت إما ساحة اشتباكناعمة مع العدو أو ساحة دعم ومؤازرة للصديق، من خلال ما يعرف "الهاشتاج" أو الوسم أو الشعار المراد ايصال فكرته لأناسٍ خارج حدود الجغرافية.
حيث نجد بين الفينةِ والأخرى جهة ما تطالب الجمهور بالتغريد على شعار ما "هاشتاج"، لتصل فكرتها من خلال قطار الهاشتاج إلى أبعد مدى، فيتفاعل معها من تصله.
لكن ثمة تساؤلات على هذا النوع من المقاومة، هل يمكن اعتباره مقاومة بالفعل؟ وهل نجح في ايصال رسالته لسكان العالم الافتراضي وأحدث تأثيراً ايجابياً فيهم وخدم القضية المُثارة على أرض الواقع ام أن الامر لا يعدو إلا ضغطة على "اعجبني" أو "مفضل" أو "مشارك"؟
التغريد على منصات مواقع التواصل الاجتماعي، أحد أشكال الثورة التكنولوجية الحديثة، ويحظى باهتمام شخصيات عالمية مؤثرة، وهيئات ومنظمات، كما يلجأ إليها الناشطون للتعبير عن حالة اجتماعية أو توجه سياسي أو قضية إنسانية، مما أدى لتغيير في طرق اتخاذ القرارات الرسمية أو الشعبية، لأن روادها يعبرون عن المزاج العام السائد في بلادهم، ويفرضون رأيهم على صانع القرار.
من الواجب قوله إن المنطق يقتضي توسيع ساحات الاشتباك مع العدو أينما ومتى توفرت الفرص والإمكانيات، سواء باستخدام الوسائل الناعمة أو الخشنة أو العسكرية، والمقاومة بالتغريد هي إحدى وأحدث وسائل المواجهة الناعمة التي لجأ لها الشعب الفلسطيني ومساندوه في محاولة منهم لفضح جرائم الاحتلال واظهار مظلوميتهم أمام الرأي العام العالمي الذي لطالما كانت تصله الرواية الصهيونية المزيفة فقط.
أما عن نجاحها فلا يمكن القول إنها نجحت تماما، لأن النجاح تراكمي ويتطلب جهداً أفقياً وعمودياً ،وفردياً وجماعياً، وشعبياً ورسمياً، وتحتاج دعما على كل المستويات، لكن بالمقابل لا يمكن إنكار أن لها نجاحا واضحا وملموسا، بدليل أن ادارة بعض شبكات التواصل تحذف كل فترة الحسابات النشيطة التي تنقل جرائم الاحتلال بحق فلسطين أرضاً وشعباً، في محاولة منها لمنع ايصال الرسالة، كما أن الاحتلال يفتح حسابات وهمية وبأسماء عربية للطعن في مصداقية الرواية الفلسطينية، ويفتح معارك جانبية لإلهاء الجماهير عن الاهتمام بالقضايا الاكثر أهمية، ثم إن زيادة عدد المتعاطفين مع مظلومية الشعب الفلسطيني سواء من الأفراد والمؤسسات والانجازات التي تحصدها منظمات كثيرة مثل حملة المقاطعة العالمية لإسرائيلتؤكد نجاح مثل هذه الحملات.
المطلوب منا جميعا _خاصةممن يقضي وقتا طويلاً على مواقع التواصل في امور ليست ذات اهمية_ وكلٌ حسب قدرته ومعرفته تفعيل تلك الوسيلة الناعمة ودعمها من أجل ايصال الرسالة لكل من لم تصله،ولا نستهين بها، حتى يعرف الاحتلال أن الشعب الفلسطيني لا يُعدم الوسائل، ويطرق كل باب من أجل استرداد حقوقه.