بينما تمرّ المناسبات الدينية على الكثيرين مرور الكِرام تحظى مناسبات الأديان الأخرى باهتمامٍ بالغ وترقب, فلم تعد تستدل من مظاهر البهجة وأنت تسير في الأسواق على المناسبات والأعياد الإسلامية فحسب, بل أخذت تُشاركها في ذلك أعياد ومناسبات غير المسلمين، لاسيما في السنوات الأخيرة.
أليس من تشبه بقومِ فهو منهم كما قال الرسول (صلى الله عليه وسلم)؟!، فكيف بمن يُشاركهم في الاحتفال بشعائرهم؟!، في المقابل ألم يدعنا الإسلام إلى الانفتاح على الأديان الأخرى؟، وهل فعلًا المشاركة في الاحتفال بأعياد ومناسبات غير المسلمين فيها نوع من الأخوة الإنسانية؟، وكيف يمكن الموازنة بين العلاقة مع غير المسلمين واحترام خصوصية الإسلام؟
استهل د. زياد مقداد الأستاذ المشارك في الفقه وأصوله بالجامعة الإسلامية حديثه معنا بالقول: "يجب أن نفهم أننا مسلمون ولنا خصوصية في عقيدتنا وفي شريعتنا، يجب علينا الحفاظ عليها والالتزام بها من حيث الأوامر والنواهي", مشيرًا إلى أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) رسمَ لنا الطريق وبيّن لنا أن للمسلمين عيدين فقط الفطر والأضحى، ويأتيان بعد طاعة وتأدية فريضة.
وتابع: "أما احتفال المسلمين بمناسبات تخص غير المسلمين من الكفار _لاسيما تلك التي تُخالف العقيدة الإسلامية وأحكام الشريعة_ فهو من صور التقليد الأعمى للغرب، وهذا غير جائز شرعًا".
وتساءل د. مقداد متعجبًا: "هل يحتفل غير المسلمين بأعياد المسلمين أو بأي مناسبة تخص ديننا، كي نحتفل بأعيادهم ومناسباتهم؟!".
وأضاف: "المشاركة بهذه الاحتفالات والاهتمام الزائد بها كما هو ملاحظ عند كل مناسبة يعنيان هوان العقيدة الإسلامية على أبنائها, والأصل في العقيدة أن تكون راسخة في قلوب المسلمين".
ويقر الإسلام بالأخوة الإنسانية، ولا يمانع وجود علاقات بين المسلمين وغير المسلمين، بل إن التعامل وإقامة العلاقات مدخل حقيقي لنشر دعوة الإسلام وفقًا لقول د. مقداد، الذي استدرك: "لكن أن تتطور هذه العلاقة فتمحو شخصية المسلم، وينخرط في مناسباتهم التي تُقام أصلًا على شرائعهم هذا لا يجوز، "قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد"، أي أن لنا خصوصيتنا العقدية, ونترك لهم خصوصيتهم".
وأكمل: "ما نجده ونلمسه من واقع شبابنا المسلمين _يا للأسف!_ هو الاستحداث الديني، والرسول (صلى الله عليه وسلم) قال: "من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد", وواضح جدًّا أن هذه الاحتفالات ليست من الإسلام والعقيدة في شيء، حتى ليست من الأمور التي هي محل اجتهاد".
ومن مظاهر التبديل والتغير اتباع الكفار في كل صغيرة وكبيرة باسم الرقي والتقدم والحضارة، وتلك الأقوام التي تنحرف عن الحق صوب الباطل سيُحجزون عن الحوض حينما يَرِده الذين استقاموا ويشربون منه كما قال (عليه الصلاة والسلام): "أنا فرطكم عند الحوض, وليرفعن إليّ رجال منكم حتى إذا أهويت إليهم لأناولهم اختلجوا دوني، فأقول: "أي رب، أصحابي", فيُقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك"، وفي رواية: "فأقول سحقًا لمن بدّل بعدي".
وأشار إلى أنه ثمة مناسبات يحتفل بها الغرب، على سبيل المثال كالاستقلال ومناسبات الانتصارات، هذه لا بأس في الاحتفال بها، لكن ليس على أنها أعياد، بل مناسبات تبث روح الأمل في الناس.
وفيما يخص حكم تخصيص بضائع بعينها وتهيئة المحال لتوائم تلك المناسبات بين أنه لا ينبغي للتجار المسلمين أن يشاركوا في تلك المناسبات بقصد منهم, فإن هيَّأ محله والبضائع المعروضة ليُشارك من حيث مبدأ الاحتفال بمناسبة من مناسبات غير المسلمين؛ فهذا يقع ضمن المشاركة في الاحتفالات التي تُغيّب خصوصية الإسلام، لذا لا يجوز شرعًا, لكنه إن صنع وباع دون الالتفات إلى مناسبات الكفار فلا إثم عليه.
وفي معرض حديثه قال: "ينبغي مخالفتهم في مناسبتهم، والمقصود بالمخالفة ليس تصنع المخالفة، وإنما الالتزام بأحكام ديننا، فهذا بحد ذاته يُعطينا الخصوصية التي هي تضمن مخالفة الآخر الذي يختلف عنّا عقديًّا".
وفي المقابل هناك فئة كبيرة ترفض فكرة المشاركة بهذه المناسبات, لكن حديثها المتكرر عن ذلك أحيانًا يكون فيه إفراط يُساهم في نشر الفكرة، ما رأيك دكتور؟، أجاب: "في بعض الأحيان يكون المسلم مضطرًّا إلى خوض الحديث والدفاع عن فكرة رفض المشاركة في هذه المناسبات، إذا اقتضى الأمر، ووجدت أنه من المناسب الحديث؛ فلا بأس في حدود الحاجة والضرورة, لكن في العام الغالب أقول: إن عدم الاكتراث وعدم الحديث عن هذه المناسبات والأعياد هما خير وسيلة لإنهائها وعدم نشرها في المجتمع, فكثرة الحديث عنها _وإن كان لبيان سوئها_ فربما تكون حينها سببًا في نشرها".