تزامن قدوم يوم السابع عشر من شهر أبريل هذا العام وتعليق الحركة الوطنية الأسيرة إضراب الكرامة الثاني، الذي استمر ثمانية أيام، واستطاعت خلاله تحقيق سلسلة إنجازات بعضها غير مسبوق ولم يكن ليحدث في السابق، كانتزاع قرار تركيب هواتف عمومية في أقسام السجون، ونقل الأسرى المرضى إلى أماكن ملائمة تتوافر فيها المعدات الطبية اللازمة لعلاجهم، إضافة إلى مجموعة أخرى من المكتسبات التي يجدر التنبيه هنا إلى أنها في أصلها حقوق كفلتها كل المواثيق الدولية ومعاهدات جنيف، وبعضها الآخر عمدته الحركة الأسيرة خلال عقود مضت بدماء عشرات الشهداء الذين قضوا في داخل السجون وهم يطالبون بهذه الحقوق الأصيلة.
من الواضح أن الإضراب انتهى في مدة زمنية قصيرة، مقارنة بإضرابات أخرى وصلت إلى شهرين دون أن تحقق شيئًا يذكر وكان مصيرها الفشل، لا لضعف أو تراجع اعترى الحركة الأسيرة، وإنما لعوامل أخرى يطول المجال لذكرها، لعل أبرزها عدم توافر بيئة سياسية وشعبية لاحتضان هذا الإضراب أو ذاك.
هذا الإضراب تجربة يجب التعمق في مكنوناتها، فقيادة الحركة الأسيرة التي شُكلت من مختلف فصائل العمل الوطني داخل المعتقل كانت تعرف ما تريد، وهذا ما بدا في الساعات الأولى للإضراب، إذ التدرج في الخطوات النضالية، ومفاجأة مصلحة السجون بنوع جديد من المقاومة الشعبية، والتصدي لعربدة السجان؛ فقد اعتمدت سياسة الترهيب والترغيب رغم مأسوية حالتها، صحيح أنها ترزح تحت القيد والعزل، لكنها أدركت ذلك مسبقًا، فتشكلت القيادات والكوادر البديلة لقيادة الإضراب حين تنقطع عن جسم الحركة الأسيرة، وفي الوقت ذاته لم تغلق للحوار بابًا، وحين الحوار أبدت ساعات طويلة صلابة ورباطة جأش، كان من ثمارها ما يحصل الآن داخل السجون من إنهاء للعقوبات المفروضة حديثًا، وتخفيف القيود المفروضة على سجون الأسيرات والأشبال.
حق لنا أن نفخر بهذا المكون النضالي الذي أرسى خلال هذا الإضراب مبادئ جديدة في العمل الوطني والفعل الميداني داخل السجون، ما ألقى بظلاله على تحرك سياسي خارج السجون، كان له أيضًا دور بارز وكبير في تقصير عمر هذا الإضراب.
لقد انقضى هذا الإضراب بالتزامن مع حراك واسع كان قد بدأ في معظم محافظات الوطن، واستطاعت غزة كعادتها أن تحجز لنفسها في حقل نصرة الأسرى والدفاع عنهم ودعم صمودهم مكانًا متقدمًا، وإن كان من رسالة ونحن في خضم هذا المشهد الوطني النادر فإن هذا الحراك الشعبي والجماهيري الذي رأيناه عبر الفعاليات الجماهيرية والإعلامية، والدعم السياسي بالمفاوضات غير المباشرة من طريق الوسيط المصري، وموقف غرفة العمليات المشتركة بعد ساعات قليلة من إطلاق الإضراب، وما صاحب وتبع ذلك من جهد كبير انخرطت فيه القوى والفعاليات الوطنية كافة؛ إن كان من رسالة فهي رسالة الشعب لأسراه أنْ: خلفكم شعب لا يزال يصحح البوصلة تجاهكم، إذا ما أوشكت على الانحراف، فلقد بات نبض الجماهير تجاهكم لا يعرف مستحيلًا رغم الحصار في غزة، والاستيطان والبطش في الضفة، ومحاولات التهويد في القدس، وأسرلة الهوية الفلسطينية في الداخل المحتل، ومحاولات تذويب قضية اللاجئين، إلا أن عنوان الأسرى وجد نفسه بارزًا وكبيرًا من بين كل تلك القضايا التي لا تقل خطورة ولا أهمية.
بعد ملحمة الكرامة الثانية وبعد انتهاء فعاليات يوم الأسير باتت الأمانة مضاعفة، والمسؤولية أكبر تجاه أسرانا وأسيراتنا، فلقد أعطت رسالة التضامن مؤشرًا مهمًّا على أننا نستطيع أن نقدم لقضية الأسرى الكثير، وثمة رسالة مهمة تتلخص في أن الحالة التي وصلت لها السجون قبل الإضراب من قمع وتنكيل وتغول بشع على الحقوق الإنسانية للأسير لا ينبغي لها أن تعود، وشعبنا بمكوناته قادر على توفير بيئة وطنية حامية لأسرانا وأسيراتنا من بطش الاحتلال وغطرسته، ويستطيع منع تكرار مسلسل الاعتداء والإرهاب داخل السجون.