فلسطين أون لاين

آخر الأخبار

تقرير "التسجيل في روابط المساعدات".. مهنة غزية تزدهر في زمن الحرب

...
غزة/ محمد القوقا: 

"بدك خدمة تانية يا حاجة؟".. بهذه الكلمات أنهى عدلي النجار (38 عامًا) تسجيل اسمي سيدة خمسينية وابنتها في أربعة روابط إلكترونية للمساعدات، في حين تعلو وجهيْهما نظرات أملٍ بوصول طرود غذائية أو إغاثة مالية من مؤسسات خيرية. لكن هذا الأمل يبدو بعيد التحقق مع استمرار سلطات الاحتلال بإغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات الإنسانية، مما يزيد معاناة آلاف الأسر الغزية التي تعيش على حافة المجاعة.

مهنة وُلدت من رحم الأزمة

في ظل انقطاع الإنترنت عن معظم أنحاء القطاع وانعدام فرص العمل، برزت مهنة جديدة: تسجيل طلبات المساعدات عبر منصات إلكترونية. يعتمد العاملون فيها على توفير اتصال إنترنت مستقر وأجهزة حاسوب أو هواتف ذكية لإتمام إجراءات التسجيل نيابة عن السكان مقابل أجر زهيد. 

يُعد النجار، خريج جامعي عاطل عن العمل، أحد أبرز مَن يعملون بهذا المجال. يقول: "أصبحت هذه المهنة شريان حياة لعائلتي المكونة من خمسة أفراد. خلال ذروة الإقبال، كنت أسجل ما بين عشرين إلى خمسة وعشرين طلبًا يوميًا مقابل ثلاثة شواكل لكل طلب". ويشير إلى تراجع الإقبال بشكل حاد بعد تشديد الحصار مطلع مارس 2025، مع توقف وصول المساعدات. 

لم يكن النجار وحده في هذا المضمار، فالشاب أمير مقداد (27 عامًا) أنشأ مع شقيقه نقطة تسجيل ثابتة قرب "رمزون الشيخ رضوان" باستخدام حاسوب محمول. يوضح: "بدأت الفكرة بمساعدة الأهالي، لكنها تحولت إلى مصدر رزق بعد أن صار الإنترنت رفاهية". ويضيف بمرارة: "فقد الناس الأمل؛ فالتسجيل دون وصول المساعدات صار مجهودًا عبثيًا". 

في زاوية مقهى بسيط مسقوف بالنايلون قبالة أبراج المقوسي المدمرة بشمال غزة، تجلس أم عصام غباين (55 عامًا) برفقة ابنتيها، إحداهما أرملة شهيد، تنتظر دورها للتسجيل. تقول بحسرة: "المساعدات طوق النجاة الوحيد لنا. ابنتي فقدت معيلها، ولا نملك ثمن رغيف الخبز". وتلفت إلى مفارقة لاذعة: "نساعد بعضنا على البقاء.. الشباب يرتزقون من تسجيلنا، ونحن نعيش على ما يصلنا". 

حصار يخنق الأمل

تشهد غزة تصعيدًا غير مسبوق في القيود الإسرائيلية منذ مارس 2025، حيث أغلقت سلطات الاحتلال جميع المعابر، ولم تدخل أي شاحنة مساعدات رغم الاتفاق الموقع الذي ينص على إدخال ستمئة شاحنة يوميًا. وحسب المكتب الإعلامي الحكومي، كان من المفترض وصول 15 ألف شاحنة منذ بداية مارس، لكن الرقم الفعلي بقي صفرًا. 

تكشف بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عن كارثة إنسانية: وصلت البطالة في القطاع إلى 80% بنهاية 2024، مقارنة بنسبة 35% في الضفة الغربية، بينما تجاوز معدل الفقر 85%. وتتحمل الأسر النازحة بسبب الحرب العبء الأكبر، خاصة مع تدمير البنية التحتية وانهيار القطاعات الإنتاجية.

مع استمرار إغلاق المعابر، يخشى العاملون في تسجيل المساعدات من فقدان مصدر رزقهم الهش. يقول النجار: "إذا استمر الوضع على هذا النحو، سنفقد آخر فرصة للعيش". بينما يعقد مقداد آماله على انفراجة قريبة، محذرًا: "كل دقيقة تمر تُقرّب القطاع من مجاعة حقيقية".

المصدر / فلسطين أون لاين