رسم تقدير إستراتيجي السيناريوهات المستقبلية المتوقعة لـ"مسيرات العودة وكسر الحصار" مع دخول عامها الثاني، مؤكدًا أن توقفها نتيجة إرهاق الفلسطينيين ويأسهم من تحقيق إنجازات مهمة يبدو احتمالًا مستبعدًا.
ووضع التقدير الإستراتيجي أربعة سيناريوهات رئيسة لمستقبل مسيرات العودة، خلال المرحلة القادمة تتمثل في استمرار الوتيرة الحالية للمسيرات مع تذبذب محدود صعوداً وهبوطاً، وثانيا تصاعد المسيرات والمواجهة مع الاحتلال بصورة قوية، وثالثا تراجعها وتوقفها دون تحقيق إنجازات مهمة فلسطينيًا.
أما رابع السيناريوهات المتوقعة، فقد تنجح الجهود المصرية في التوصل إلى اتفاق تهدئة طويل الأمد، ينهي الحصار المفروض على قطاع غزة.
وأفاد التقدير الإستراتيجي الذي حمل عنوان “مسيرات العودة بعد عام على انطلاقتها تقييم الأداء وسيناريوهات المستقبل”، أن احتمالات الذهاب إلى مواجهة عسكرية واسعة بين الاحتلال وقطاع غزة لا تبدو مرجّحة في الوقت الراهن، مع بقاء فرصها قائمة.
ولا ترجّح المعطيات الحالية فرص التوصل لاتفاق سياسي في مدى زمني قصير يقود إلى كسر الحصار وتحقيق هدنة طويلة الأمد، الأمر الذي يرجّح فرص استمرار سيناريو الوضع القائم على المدى القصير، وهو ما يتطلب -بحسب التقدير الإستراتيجي- المحافظة على الوحدة الوطنية الميدانية التي تحققت بين مختلف الأطراف الوطنية، والسعي لتوسيع مساحة المسيرات والفعل الشعبي ليشمل الضفة والشتات الفلسطيني، كما يتطلب تفعيل دور القوى السياسية العربية في تحريك الشارع العربي لإسناد مسيرات العودة.
ويؤكد التقدير الإستراتيجي، أن المسيرات مثّلت تطوّراً نوعياً، ومحطة فارقة، في الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، وكان لها تداعياتها وانعكاساتها المهمّة فلسطينياً وإسرائيلياً وإقليمياً ودولياً.
وأضاف: "لقد نقلت مسيرات العودة القضية الفلسطينية والمواجهة مع الاحتلال إلى واقع جديد، ومكّنت الشعب الفلسطيني من استعادة زمام المبادرة، واستخدمت لتحقيق أهدافها أساليب إبداعية جديدة غير مكلفة لكنها قوية الفعل والتأثير. فعلى الرغم من بدائية بعض الأدوات المستخدمة وبساطتها كالطائرات الورقية المشتعلة والبالونات الحارقة، فإنها نجحت في الضغط على الاحتلال وتكبيده خسائر مادية ومعنوية مؤثرة".
ونبه إلى تميز مسيرات العودة بمشاركة واسعة لمختلف قوى الشعب الفلسطيني وشرائحه من حيث العمر والجنس والانتماء السياسي. كما تميّزت بالديمومة والاستمرارية، وأظهر الفلسطينيون على مدار عام كامل إرادة صلبة وعزيمة قوية على مواصلة فعلهم النضالي وسعيهم المستمر لإنهاء الاحتلال.
وذكر أن مسيرات العودة كانت لها انعكاسات مهمة على الوضع الفلسطيني، حيث أسهمت في تخفيف حدة الحصار الجائر المفروض على قطاع غزة، وبشكل موازٍ لمفاوضات التهدئة تم فتح معبر رفح للأفراد ومعبر صلاح الدين للمواد والبضائع لمدد طويلة نسبياً خلال الشهور الماضية، مقارنة بالتي سبقتها.
كما عزّزت المسيرات مكانة خيار المقاومة، وأكدت أنه خيار مُنجِز وضاغط على الاحتلال، جنباً إلى جنب مع المقاومة المسلحة، وكخيار داعم ومساند في سياق حالة تكاملية، بحسب التقدير.
وأضاف أن المسيرات نجحت في توحيد موقف القوى السياسية الفلسطينية، وحققت وحدة ميدانية في مواجهة الاحتلال، تجاوزت حالة الانقسام السياسي والجغرافي، الذي لم تنجح جولات المصالحة المتعددة في إنهائه ووضع حدّ له.
وحول تأثير المسيرات على (إسرائيل)، فأكد التقدير الإستراتيجي أنها أثّرت عميقاَ في وعي الإسرائيليين وسلوكهم، وأثارت المخاوف لدى مستوطني غلاف غزة خاصة، وكشفت هشاشة الجبهة الداخلية الإسرائيلية، كما ألحقت أضراراً اقتصادية مؤثرة في المناطق المحيطة بالقطاع، وشكّلت استنزافاً أمنياً للاحتلال في مواجهة مرهقة طويلة الأمد.
وأضاف أن المسيرات والمواجهات مع الاحتلال عززت الانقسامات في الساحة الإسرائيلية، وتسببت باستقالة وزير جيش الاحتلال أفيجدور ليبرمان على خلفية نتائج المواجهة مع قطاع غزة. كذلك أحرجت المسيرات موقف سلطات الاحتلال دولياً، وأضعفت حججه في تبرير سياساته وجرائمه بحق الشعب الفلسطيني، ولم تعد ذريعة الدفاع عن النفس مقنعة وقابلة للتصديق لدى العديد من الأوساط الدولية.