فلسطين أون لاين

​طريق الهجرة ليس معبدًا بالورد

...
غزة/ هدى الدلو:

يرى بعض الشباب أن الوضع المعيشي في قطاع غزة أثقل كاهلهم، وأضاع مستقبلهم، ولون أفقهم بالأسود، فلا مجال لتحقيق أحلامهم ولا أهدافهم في وطنهم وبين أهلهم، فتسلل اليأس إلى قلوبهم بفعل الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ما دفعهم إلى التفكير في الهجرة، وكأن مستقبلًا ورديًّا ينتظرهم في بلاد الغربة، ومنهم من خاطر بحياته وركب الأمواج وسافر عبر قوارب الموت، صحيفة "فلسطين" أجرت استطلاع رأي مع شباب لتعرف وجهة نظرهم في الهجرة من أرض الوطن.

الهجرة ليست جنة

الشاب عبد الرحمن عوض (25 عامًا) قال: "الهجرة في الوقت الراهن تضع الشباب بين حدين، إما الموت البطيء في وطنك، أو خلال رحلة الموت والهجرة، ولكن رأيي الشخصي هو مهما كانت ظروف الوطن مميتة يجب ألا نلجأ إلى خيار الهجرة، لأن الوطن الذي أعطاك خيره خلال سنوات طويلة لابد من تحمل ظروفه وشدائده في ذلك الوقت الصعب".

وأضاف: "أيضًا بلاد الغربة ليست كما يعتقدها كثير من الشباب؛ فالهجرة ليست جنة، والبلاد الأوروبية لا تفتح أبوابها على غاربها، وتطلب من الشباب المجيء من أجل العيش فيها حياة كريمة، فهذا شيء مستحيل".

وأشار عوض إلى أن أسباب الهجرة مختلفة، فمن الشباب من يسافر للتعليم بنية العودة للوطن، ولكن لا يعود، ومنهم بسبب الفقر وعدم الاستقرار، إضافة إلى الأوضاع السياسية المتقلبة، ولكنها في مختلف حالاتها لها جانب سلبي يتمثل في هجرة خيرة العقول من الوطن، ويبقى من لا يبحث عن التغيير والتطوير.

لذلك لابد من إيجاد حل للمشكلة، ويكمن في إعطاء الشباب فرصة لإدارة البلد؛ فهم قادرون على إحداث تغيير.

بفعل الظروف

وعارض رأيه الشاب حمزة رضوان، الذي يرى أنه في الأوضاع التي يمر بها سكان القطاع في الآونة الأخيرة -وتحديدًا على صعيد الشباب- "لا شك أن لدى كثير من الشباب تفكيرًا في الهجرة، لاسيما من يملك شهادة أو مهنة ولم يجد له مجالًا، فتلقائيًّا سيفكر بالهجرة".

وقال: "أما رأيي بالهجرة فأنا كُنت ضد هذه الفكرة كليًّا قبل مدة من الزمن، ولكن الآن بفعل الوضع القائم أصبحت معها بشدة، رغم صعوبة الحياة في الخارج، فهي ليست مفروشة بالورد، لكن الحال الذي وصل إليه الشباب صعب وسيئ جدًّا".

فرضوان شخصيًّا يفكر في الهجرة إذا توافرت فرصة عمل مناسبة، وحياة كريمة، إلى جانب تنمية الذات، وخوض تجربة عملية وثقافية جديدة.

رمي في التهلكة

أما الشاب خالد لافي فخالف رأي رضوان، إذ قال: "التفكير في الهجرة مقبول في حال كان السبب فيها طلب العلم، أو لمن يريد العمل، بشرط أن يكون بحوزته شهادات ومؤهلات، على أن تكون مدة محدودة، ثم يعود إلى وطنه؛ فهو أولى بعلمه وخبرته".

ومع ذلك لا يفكر في الهجرة، ويعد نفسه من المتمسكين بوطنهم وأرضهم، "فلو غابت العقول المتعلمة والفكرة عن الوطن؛ يسهل ضياعه واغتصابه"، وفق قوله.

ولفت لافي إلى أن الحصار، وحالة الانقسام السياسي، وارتفاع نسبة البطالة، وعدم توافر الخدمات الأساسية، وتدهور الوضع الاقتصادي هي ما يدفع شبابًا نحو الهجرة، ورغم تلك الأسباب الهجرة ليست كما تُخيل لبعض؛ فهي إلقاء في التهلكة.

ورأى أن سلبياتها أكثر من إيجابياتها؛ فالهجرة تعني فقدان الأمان، وفقدان الهوية الوطنية، وتغيير العادات والتقاليد، ونسيان الوطن واللغة الأم، إلى جانب وقوع المهاجرين عرضة لكثير من الاضطهادات من السكان الأصليين.

وأضاف لافي: "باختصار شديد نحن بحاجة إلى قيادات تساعد على بناء الدولة الفلسطينية، وتنجب أجيالًا قادرة على العطاء والاستمرار في قطاعنا الحبيب".

ذو حدين

وعدت الشابة إسراء العرعير (28 عامًا) الهجرة سلاحًا ذا حدين، لذلك لابد قبل اتخاذ القرار معرفة الهدف منها، قائلة: "أتفهم مبدأ الهجرة لشاب لإكمال دراسته، أو تنمية ذاته، أو العمل سنوات لتأمين مستقبله ومستقبل أسرته، ثم العودة إلى أرض وطنه؛ فهو أولى بطاقاته وإبداعاته".

ونبهت إلى أن الهجرة طريقها غير ممهدة، بل مليئة بالعقبات والتحديات، إذا لم يكن للشاب المهاجر هدف ووجهة محددة.

من السكرة إلى الفكرة

وفي الوقت ذاته قالت الاختصاصية الاجتماعية نسرين ريان: "لابد من تعريف الهجرة من منطلق شبابي، فالشاب يرى أنها السفر إلى بلاد الغربة ويربطها بالحياة الوردية، وأن مفاتيح الأبواب ستكون بيده، وأن جميع الأبواب في بلده مغلقة بوجهه".

وأوضحت أن بعض الشباب يهاجرون بحثًا عن مصدر رزق، أو هربًا من الكبت النفسي، وبسبب الأوضاع والظروف والاحتلال والحصار، وقلة فرص العمل، وارتفاع البطالة، إلى جانب بعد المؤسسات عن الوضع القائم.

وتابعت ريان حديثها: "المفاهيم الخطأ عن الهجرة هي التي مهدت الطريق لكثير من الشباب، فالشاب هنا يرفض العمل بأي مهنة ليس لها علاقة بشهادته الجامعية، أما هناك في بلاد الغربة فهو على استعداد للعمل نادلًا (جرسون)، أيضًا التحصيل المادي ليس كما هو متوقع، فلا يكاد يكفي يومه، إضافة إلى انتشار المكاتب التي تقدم امتيازات للشباب بمقابل مادي وغرض تجاري".

وأضافت: "وبعدما يحط الشاب رحاله في بلاد الغربة يفرح في أول أيامه، وبعدها "بتروح السكرة وبتيجي الفكرة"، ينصدم بالواقع، فالأمر ليس سهلًا، حتى قصة الحصول على عمل وفق شهادته، لكنه في الغربة على استعداد إلى التنازل والتضحية بكثير من الأمور، بخلاف وجوده في وطنه".

وبينت ريان أن الشباب ليس لديهم أدنى معلومة عن الموارد والإمكانات الموجودة في البلد وطرق استغلالها، إلى جانب التربية الخطأ للجيل، ففي الماضي تربوا على تحمل الأوضاع الصعبة إلى جانب دراستهم، أما حاليًّا فيوفر الأهالي كل المتطلبات للتفرغ للدراسة، فتربوا على الترفيه وعدم الشعور بالمسئولية.

لذلك لابد من تفعيل دور المؤسسات المدنية، والحكومية، ويجب وضع رقابة على سفر الشباب والمحاسبة بصورة إيجابية دون تقييد حرية التنقل، وعلى المؤسسات التعليمية أن تقوم بدورها في توضيح مخاطر الهجرة، وعلى الشباب أن يعوا أن الوطن بحاجتهم، وفق قولها.

وختمت ريان حديثها: "لابد من استيعاب الشباب وخلق فرص عمل، فلم تعد الوظيفة الشيء الأساسي؛ فأصبحت الدول قائمة على المشاريع الصغيرة".