"فادية"
طالبةٌ جامعية، تعرفها زميلاتها على مدار أربع سنواتٍ من الدراسة بمحاولاتها
الحثيثة صنع "هالةٍ" حول شخصها، فتتعامل مع الجميع بأنفةٍ، أو كما تقول
صديقتها "سمية" بلغةٍ عاميةٍ بسيطة: "بتحكي من روس مناخيرها"!
كان لدى "فادية" بالإضافة إلى صفة الغرور "غير المبرر"،
ومحاولة إبراز نفسها كمركزٍ "للكون"، صفةً ثانية هي "الغيرة"!
كانت الفتاة –والحديث لصاحبتها- غير واثقةٍ أبدًا بنفسها "وهذا ما كانت تحاول
أن تواريه عبثًا".. كانت دائمة التقليد بشكلٍ "ملاحظ" لزميلةٍ
معهنّ! "في كل شيء": طريقة لفّ الحجاب، ونمط الملابس، حتى طريقة الحديث،
وكان يؤلمها كثيرًا أن تسمع أنها "الزميلة مثار الغيرة" جلبت من
العلامات أكثر منها في المادة الفلانية، وكانت تروّج بأنها "حصلت عليها لأن
مدرس المادة يحب التعامل مع الجميلات"، مستبعدةً تمامًا في سياق حديثها أن
تكون قد حصلت على مجموعها العالي بجهدها ومثابرتها. كانت إذا سمعت أن الفتاة اشترت
ثوبًا جديدًا بلونٍ معيّن، تسارعُ إلى السوق لتشتري شيئًا شبيهًا دون أن تلقي بالًا
لإمكانية أن يكون "غير مناسبٍ" للون بشرتها مثلًا.
"سامية" الأخرى، بدأت تشتعل في قلبها الغيرة بعد دخول "سلفتها الجديدة" الديار! كيف لا وهي التي كانت تنزل لتطمئن على أحوال حماتها كل صباح بملابس الصلاة، فأضحت فجأةً ترتدي فساتين قطنية، وتلف شالتها "لفّةً تركية" كتلك التي تعتمدها سلفتها الجديدة.
حالها كان كحال بطلة القصة الأولى، تتقمّص شخصية سلفتها وليس فقط تقلّدها، فلا تلبث الأولى ترتدي شيئًا، إلا وتكون –بعد مشاجرةٍ مع زوجها- جلبت مثله رغم اختلاف طولها ووزنها عن طول ووزن سلفتها.
تقول أخت زوجها :"مسكينة، في الحقيقة كان التقليد واضحًا، وعن نفسي لو خيروني بين الموت والظهور بصورة "المقلد" لاخترتُ الأولى (..) كان الأمر يبدو مضحكًا أحيانًا عندما نرى فستانًا على "ميرا النحيلة" ومثله على "سامية السمينة".
ويقول اختصاصيون في علم النفس، إن بإمكان المرأة أن تتعلم الكثير من خلال المقارنة الإيجابية مع نساءٍ أجمل منهن، ولكن الغالبية العظمى من النساء يجرين مقارنات "سلبية" تصل بهنّ إلى الشعور بالدونية وتؤدي إلى تدهور حالتهن النفسية.
وهذا نفسه ما تؤكده الأخصائية النفسية ليلى أبو عيشة، التي قالت :"إن المرأة التي تقارن نفسها دائمًا بمن هي أجمل منها، تعيش حزينةً وتكون أبعد عن الشعور بـ "الرضا" والسعادة"، مشيرةً إلى أن "المرأة السليمة نفسيًا" هي تلك التي تصنع لنفسها طريقتها الخاصة في الملبس والحديث والتجمُّل وهو الأمر الذي قد لا يكون بهذه السهولة.
المقارنة الإيجابية
ولكن كيف يمكن للمرأة فاقدة الثقة بجمالها وشكلها، أن تنتهي عن مقارنة نفسها بغيرها من النساء اللاتي تفقنها جمالًا؟ عن هذا السؤال تجيب أبو عيشة :"على المرأة أولًا أن تظن في نفسها ظنًا حسنًا فترى نفسها "فريدة"؛ وهذا بالطبع صحيح لأن أحدًا في هذه الدنيا لا يشبه الآخر مئة بالمئة، ومحاولة التشبه بالآخرين قد تكون متعبةً جدًا لأن النتيجة لن تكون قريبةً أبدًا".
وزادت :"كل امرأةٍ تحمل من صفات الجمال ما يجعلها مميزةً عن غيرها، وما قد تراه هي جمالًا في إحداهن، قد يراه غيرها قبحًا"، مبينةً أن على المرأة أن ترى مواطن الجمال فيها مهما كانت قليلة "وأن يكون ذلك كفيلًا بجعلها سعيدة فلا يوجد أبدًا امرأة قبيحة".
وأضافت :"يمكن للمرأة أن تتعلم أصول التزيُّن وتدرّجات الألوان وتنسيقها مع بعضها البعض، كما تريد هي، وكما تحب هي! وليس كما تراها هي جميلةً على فلانة"، مشددةً على أن "رضا المرأة عن نفسها وعن مواطن القوة فيها –النعومة، طريقة التفكير، طريقة تربية أطفالها- يمنعها من مقارنة نفسها بغيرها من النساء تمامًا، بل على العكس يجعلها ترى نفسها أفضل بكثير من جميلات أبناؤهن مثلًا "قليلو التهذيب".
وتابعت :"يجب أن نفرق بين المقارنة والتقليد الإيجابي من قبل المرأة لنظيراتها الجميلات، فالمقارنة السلبية هي التي تقوم على التقليد الأعمى، التشبه بامرأةٍ بعينها دون الأخذ في الاعتبار اختلافات الشكل والشخصية بينهما كلتيهما، ولكن التقليد الإيجابي هو القائم على التعلم، فلعلّ المرأة لا تفقه في الذوق الرفيع، فلا بأس حينها من الاستفادة من خبرة امرأةٍ أخرى ولو في الخفاء، وهذا بالطبع لا يعدُّ تقليدًا"، منبهةً إلى أنه من الصعب أن تظهر المرأة بشكلٍ جميلٍ على الدوام، "فنجد نساء في سن الخمسين مثلًا وجمالهنَّ في نظر أزواجهنّ لم ينقص لأنهنّ كنَّ جميلاتٍ على مدار "عمر العشرة" بأشياء غير الشكل، في طاعة الزوج وخدمة أهلها، وهذا وحده كفيلٌ بأن تكون "الأجمل" في نظره ونظر أبنائها".
وساقت مثالًا آخر يثبت أن جمال الروح أهم بكثيرٍ من جمال الشكل حين قالت :" قد تقابل المرأة امرأة منقبة في الشارع فلا ترى وجهها، لكن بموقفٍ ما قد تراها تسللت إلى قلبها دونما استئذان وهذا يخبرنا بأن حسن التعامل هو الذي يطغى غالبًا على جمال الشكل إن تحدثنا عن مقاييس القبول".
المضمون مهم
ومن الفطرة أن يطمح الإنسان لأن يكون صاحب هيئةٍ جميلةٍ أمام نفسه وأمام الآخرين "فإن الله جميلٌ يحب الجمال" كما قال صلى الله عليه وسلم، ومن فطرة المرأة أن تبحث عن الجمال أينما وجد، وكيفما كان، فكلمة "أنتِ جميلة" من الزوج على سبيل المثال تفوق في أهميتها خاتم ألماس لدى بعض النساء، و"ليس من الضروري –كما تقول أبو عيشة- أن يشيد كل من رأى المرأة بشكلها أو ينبهر بلبسها وألوانه، "وهذا بالطبع لا يعني أن المرأة ليست جميلة"، بل لعل ذلك لا يعني الناس أصلًا.
ونصحت أبو عيشة المرأة التي تعاني من ضعف الثقة بشكلها أن لا تقف كثيرًا أمام المرآة لتتفحص مظهرها، فهذا من مظاهر عدم الثقة بالنفس أصلًا، وأن تقبل بنفسها كما خلقها الله، معقبةً :"ولا مانع من البحث عن الجمال طبعًا بلا إفراطٍ ولا تفريط، وضمن حدود الشرع والعرف، وبطابعٍ يخص المرأة نفسها، وليس من خلال تقليد غيرها لأن أي تقليدٍ سيُفضح أمره، وهذا ليس جيدًا بحق المرأة أبدًا".
وزادت أخيرًا :"كل امرأةٍ أعطاها الله من النعم ما قد لم يعطه غيرها، فعلى المرأة أن توقن بأن الله إن لم يعطها الحظ الوافر من الجمال أعطاها ميزاتٍ أخرى قد تتفوق بها على الجميلات، وصحيحٌ بأن جمال الصورة مطلوب، ولكن المضمون مهمٌ أيضًا وكما قال صلى الله عليه وسلم :"إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".