تشير عقارب الساعة إلى الثانية عشرة مساء من ليلة الخميس 27 ديسمبر/ كانون أول الماضي، لينهي الطفل "إياس رداد" (13 عاماً) حديثه مع شقيقه الأكبر أنس حول استعداده لاختبار مادة الرياضيات لنهاية الفصل الدراسي الأول، ثم خلد كلاهما للنوم في فراشهما إلا أن ثمة طرقات صاخبة على باب المنزل أفزعتهما.
أسرع أنس (28 عاماً) ملبياً فتفاجأ بعناصر من جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة في رام الله، فذهب مسرعاً لإخبار والده الأستاذ محمود رداد (57 عاماً) وهو مدرس في مدرسة ذكور صيدا الثانوية. فتح الوالد باب المنزل، فإذا بالضباط يقول: "معنا أمر تفتيش البيت".
بدت علامات الاستغراب على وجه أفراد العائلة الذين تجمّعوا حول بعضهم، قبل أن يفرقهم عناصر الوقائي لفريقين، الوالد وأنس وأسيد وإياس، والأم وابنته أميمة (22 عاماً)، كما تروى أم أنس لـ"فلسطين".
عاث أفراد الوقائي في البيت خراباً، بتفتيشهم غرفة الوالدين، ثم غرفة أنس وإياس، وبعد ذلك غرفة أميمة وحاولت الأم منعهم من تفتيشها إلا أنهم أظهروا قوةً عليها وابنتها.
تضيف الأم: "حتى الشقة الجديدة التي ما زال يجهزها نجلي الأوسط أسيد استعدادا لزواجه لم تسلم من التفتيش الأمني".
كما قطعت القوة المقتحمة لبيت "عائلة رداد" الذي يقع في قرية صيدا بمدينة طولكرم شمال الضفة الغربية،كافة أنواع الاتصالات سواء السلكية واللاسلكية عن البيت، ثم صادروا الأجهزة الالكترونية والهواتف الخاصة بأفرادها.
وتابعت أم أنس قولها: "أبلغ الضابط المسؤول ابني أنس أنه رهن الاعتقال، وبعدها ما شفت إلا زوبعة من أفراد الوقائي أخذوا أنس وأسيد وخرجوا، نزلت أشوف أبو أنس ونودع الأولاد".
ثم تفاجأت بالضابط المسؤول يقول لها: "الحج ساعة زمن ويرجع، بدنا يوقع ورقة ويروّح"، وما كان من الأم إلا أن تقول: "حسبنا الله ونعم الوكيل فيكم" دون أن تودع زوجها وأبناءها.
تواصلت العائلة مع المؤسسات الحقوقية لتدارك الأمر، وأبلغهم رئيس الهيئة المستقلة لحقوق الانسان علاء نزال أن الهيئة تتابع الأمر من خلال ممثليها في رام الله، كما قال أيمن رداد شقيق المعتقل أبو أنس.
ولفت خلال حديثه لـ"فلسطين" إلى أن المعلومات المتوفرة تفيد بأن التهمة تتمحور حول أنس، مستهجناً من اعتقال جميع أفراد العائلة في شكل من أشكال العقاب الجماعي.
وطالب أيمن رداد السلطة بوقف الاعتقال السياسي الذي يرى أنه من مصلحة الاحتلال الذي يريد استمرار حالة التشرذم بين أبناء الشعب الفلسطيني.
الاعتقال السياسي
وأفراد عائلة رداد المعتقلون هم نموذج لعشرات العائلات الفلسطينية في الضفة الغربية تعاني من الاعتقال السياسي الذي تمارسه أجهزة أمن السلطة هناك.
ودانت حركة حماس حملة الاعتقالات الواسعة التي تشنها أجهزة أمن السلطة ضد قيادات حركة حماس وكوادرها في مناطق مختلفة من الضفة الغربية، داعيةً القوى والمؤسسات الحقوقية والإنسانية للضغط على رئاسة السلطة وأجهزتها في الضفة، لوقف الاعتقال السياسي والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين في سجونها.
بدوره، أبلغ محامي مؤسسة الضمير لحقوق الانسان مهند كراجة، العائلة أن التهمة الموجهة لأبنائها هي "إثارة النعرات الطائفية".
وقال كراجة في حديثه لـ"فلسطين": إن "الوقائع تتحدث عن كتابة أبناء العائلة منشوراتوتواصل مع أصدقائهم من غزة عبر موقع فيسبوك، وهذا الأمر ليس جريمة بموجب القانون الأساسي الفلسطيني".
واستنكر اعتقال الأب الذي لم يرد له أي دور في الوقائع، سوى أنه والد المتهمين، متسائلا: "لماذا يعتقل الأب دون أن يرتكب أي جرم، أم أن جرمه أنه أب لشابين قرروا ممارسة النشاط السياسي وحرية الرأي والتعبير؟!".
مسؤولية البيت
بالعودة إلى أم أنس، فتقول: إن المحكمة قررت الاثنين الماضي تمديد اعتقال زوجها وابنيها لمدة 15 يوماً، أي حتى 15 يناير/ كانون الثاني الجاري، مشيرةً إلى أن المحامي قدم حكم "استئناف مع اخلاء سبيل" إلا أن المحكمة رفضت ذلك.
وبعد الاعتقال تصف أم أنس أجواء بيتها بقولها: "كل شيء تغير علينا، دائما قلقون، لا نوم ولا أكل ولا شرب".
وأشارت إلى أن مسؤولية البيت تقع الآن على كاهل نجلها الطفل إياس الذي أنهى اختبارات نهاية الفصل الأول الخميس الماضي.
وبات اليوم الطفل إياس شاباً في نظر العائلة لأنه يحمل هم أمه وشقيقته في ظل غياب والده وشقيقيه اللذين يكبرانه سناً.
ويقول إياس لـ"فلسطين": "البيت صار فاضي والمسؤولية عليا لأني الزلمة الوحيد في البيت".
أما عن أميمة التي تملكتها الجرأة في محاولة الدفاع عن أخيها أنس كونها الأكثر تعلقاً به، حين قالت لعناصر الوقائي: "شو بدكم منه، كفوا بلائكم عنا، ما كفت ملاحقاتكم لأنس خلال فترة دراسته بالجامعة والي خلصها بعد 8 سنوات تخللها الملاحقات والاعتقالات".
وأثناء تفتيش البيت صادرت القوة كاميرا خاصة بأميمة، طلبت الأم إعادتها ورفض ضابط القوة، كررت الأم الطلب لمسح الصور الخاصة بابنته، وفي هذه الأثناء حاول أحد أفراد القوة الاعتداء عليها، فصدّه شقيقها أسيد الذي اتهموه بالاعتداء على عناصر القوة.
وتطالب العائلة بالإفراج الفوري عن أبنائها وإخلاء سبيلهم دون أي مقابل، لعدم إثبات ما يدينهم.