فلسطين أون لاين

​مخلفات الاحتلال "مصغرات" تحاكي معاناة الفلسطينيين

...
غزة - شيماء العمصي

في مساحة لا تتعدى 5 سنتيمترات، يرسم الفنان الفلسطيني مجدي أبو طاقية (30عاما) من مخيم النصيرات, لوحة جميلة من مواد مخلفات الاحتلال بدقة كبيرة، تحمل تفاصيل حياتية ربما لا يُصدَق وجودها في إطار مصغر، ومع إمعان النظر تتضح المزيد من التفاصيل، وتبدو الألوان أكثر روعة وجمالًا.

إنه ابتكار لنوع فني يعرف بـ "فن المصغرات"، أي فن التفاصيل الدقيقة في أقل مساحة، والذي تمتلئ به ورشته الخاصة.

وفي حديثه لـ "فلسطين" يقول: "أنا فنان فلسطيني برعتُ في نحت المصغرات, فن المصغرات هو نحت الجيودراما المعروف, الأشكال الكبيرة تتحول إلى أجسام صغيرة ومجسمات دقيقة التفصيل".

ويروي قصته مع الفن منذ صغره فيقول: "منذ أن كنت في الصف الثاني والثالث, كنت أنحت من الممحاة خاصتي "بالشفرة" أشكالًا صغيرة لأي مجسم كبير, لدرجة أني كنت أؤذي نفسي كثيرًا ولكني كنت أحب هذا الفن, وبعد ذلك تطورت قليلًا فبدأت أصنع من نواة الزيتون ونواة التمر أشكالًا, وبعد ذلك ذهبت أجمع حجارة البحر وأنحتها في الأرض "وبالمبرد" من جميع الجهات حتى تصبح المجسم المصغر الذي أريده".

يكمل أبو طاقية قوله: "نحن نختلف عن الفنانين خارج القطاع, لأني أنا أنحت من مخلفات الاحتلال هذه المجسمات, وأجد صعوبة كبيرة في العثور على هذه المخلفات, نعم صعوبة قوية في العثور على هذه المواد التي تكون موجودة في مناطق النزاعات وفي أماكن مسيرات العودة وأماكن الحروب".

ويوضح أن هذه المصغرات جميعها من مخلفات الاحتلال, من قنابل غاز سقطت على المتظاهرين السلميين في مسيرات العودة، وصواريخ هدمت بيوت أناس عزل، ورصاص قتل وأصاب الشباب وغيرها من المواد.

ويضيف: "نحتُ كثيرًا من الأشكال والمجسمات, وصنعت لوحة فنية متكاملة من المجسمات الصغيرة لمعبر رفح البري, وجسدت فيه معاناة المسافرين ومعاناة المرضى وبعض المساعدات التي تصلنا من الدول المجاورة ".

ويشدد على أن "الحياة لا تعتمد على فنّ واحد، فهي مليئة بالألوان والفنون ومظاهر الجمال المختلفة طوال الوقت، ولا تحتاج إلا لمن يتذوق هذا الجمال، فالفن هو روح الحياة وأهم مظاهرها".

ويتابع: "الفن لا يقتصر على الرسم فقط، فكل ما في الكون فيه جمال، وأعيننا تعد بمثابة عدسة تلتقط التفاصيل الجمالية طوال الوقت، وتخزنه وتغذي به الروح، ثم تخرجه فنًا آخر، كانعكاس مرآة, ولأننا في فلسطين نعاني من الحصار والاحتلال المطبق علينا من جميع النواحي قررت أن أنظر لهذا الفن من جهة معينة, وأن أجسد معاناة شعبي في هذا الفن الجميل".

ويوضح أبو طاقية أنه أحب الفكرة لما وجده فيها من تحدٍ للفنان ومن جمال التفاصيل والدقة في لوحة صغيرة, فأصبح يهتم أكثر بفن المصغرات كفن للتفاصيل، وبدأ بإضافة أفكار جديدة إليه، كتنفيذ لوحات صغيرة تحمل فنونا وأدوات مختلفة، وأن تحمل اللوحة الفنية الواحدة فن التصوير والنحت والرسم مثلا.

وحاليًا انتقل – وفق قوله - إلى فكرة صنع أماكن كانت موجودة منذ النكبة وما قبلها, فقبل أيام أرسل إليه أحدهم صورة لدكان في مدينة الرملة عام 1970, وبدأ بتنفيذ هذا النحت للدكان على شكل مصغر, وجهز قرية بدوية متكاملة من جميعها خيمة وجِمال وأهل البدو وغير ذلك في تلك القرية المصغرة.

ويتابع حديثه: "أغلب مجسماتي الصغيرة هي مجسمات إنسانية وسياسية, توصل رسائل للعالم, وتوضح بها معاناة الشعب الفلسطيني والوضع السياسي الموجود داخل قطاع غزة".

ويؤكد أبو طاقية بأنه من حق الفنانين في قطاع غزة أن يصلوا إلى العالمية, وتعرض أعمالهم في متاحف ومعارض دولية, حتى يعرف العالم المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني داخل هذا القطاع المحاصر.