هل تُطبقُ المؤسساتُ الدوليةُ القوانينَ على كل شخص أو منظمة أو دولة تخالف القرارات الدولية؟، وهل تبكي على ضحيةٍ ما، مثلما تبكي على ضحية أخرى، أم أن البكاء يخضع لمعايير وضوابط حسب نوعية المتضرر؟
من الناحية النظرية إن المنطق يقول إنه على المؤسسات الدولية تطبيق القرارات على الجميع، دون أي تمييز بناء على اللون أو الجنس أو الجنسية أو الدين أو أي اعتبارات أخرى، في حال اخترق ما هو متفقٌ عليه، لكن من الناحية الواقعية إن سجل هذه المنظمات حافلٌ بالتجاوزات التي تمارسها هي بحق القانون الذي تضعه هي، والدليل أنها تفتح عيونها على من قتل قطًّا أشقر اللون، وتغمضها عمن قتل شعبًا ذا بشرة سمراء، وهنا السؤال: هل صارت حياة القط أغلى من حياة البشر؟
إسقاطًا لما سبق على واقعنا الفلسطيني، فربما نحن الفلسطينيين من أكثر الشعوب التي تعاني من فكرة "الكيل بمكيالين" التي تنتهجها المؤسسات الدولية، لأنها تغض الطرف عن ممارسات الاحتلال بحق البشر والشجر والحجر في فلسطين، وتنتفض حينما يصاب أي صهيوني بأي أذى، وكلنا نلمس مدى القلق الذي تعبر عنه هذه المؤسسات من فكرة أسر المقاومة جنودًا صهاينة، في حين لا تبدي هذه المؤسسات أي قلق على أسرانا في سجون الاحتلال.
السؤال الآن :إلى متى سنبقى ندور في دائرة التهديد بالقول: "إننا سنلجأ إلى المنظمات القانونية الدولية لتقديم شكاوى أو رفع قضايا ضد الإجرام الصهيوني، ونسعى بقوة إلى تقديم قادة الاحتلال للمحاكمة على إجرامهم المعروف لكلٍّ"؟!، أم أن هذا الشعار أصبح لتخدير الجماهير فقط؟!، وهل محاكمة مجرمي الحرب الصهاينة مهمة قابلة للتحقق، أم أنها بالفعل مهمة مستحيلة؟
ثمة عناصر لأي مهمة أو معادلة يُراد لهما النجاح، وهي: (الرغبة والمعرفة والقدرة)، وهذه العناصر تفرض حضورها في كل تفاصيل الحياة، وبناء عليه، هل نرغب نحن الفلسطينيين والعرب في أن نرى قادة الاحتلال يأخذون عقابهم وفقًا للقانون الدولي؟، إن كانت الإجابة "لا" فتلك مصيبةٌ، وإن كانت "نعم" فهذا شيء جميل، ويدفعنا إلى التساؤل: هل مجرد الرغبة يكفي؟، من المؤكد "لا"، لأنه ما نيل المطالب بالتمني، كما قال أحمد شوقي.
إذن ما المطلوب؟، مطلوب أن ننتقل إلى فكرة: هل نقدر؟، نعم نقدر، ولدينا أدوات ووسائل نستطيع بها أن نؤثر في مجريات السياسة الغربية وما ينتج عنها، وأذكر أنني قرأت يومًا ما موضوعًا عن فلسفة التفاوض، أن أحد أعضاء الوفد الفلسطيني المفاوض ذكر أنه قيل له: "إنكم -أيها العرب- لا تجيدون التفاوض، ولا تعرفون أدوات التأثير في السياسات"، وأشار عليه القائل: "لا تذهبوا إلى الرئيس؛ فهو في النهاية دمية في يد أباطرة المال والأعمال"، هذه مشورة صادقة، لأن للمال والأعمال تأثيرًا كبيرًا في طبيعة القرارات السياسية.
وبعد (هل نقدر؟) هل نعرف؟، لاشك أننا نعرف؛ "فلا أظن أن الأمة العربية تخلو من رجال قانون لهم صولات وجولات في القانون الدولي، ولديهم الرغبة في خدمة القضية الفلسطينية"، فلماذا لا تستثمر هذه الخبرات؟!
وأختم بالمثل المعروف للجميع: "لا يضيع حق وراءه مطالب"، الذي يؤكد أن الحق سيعود، لكن بشرط ألا ينام صاحب الحق عن حقه، وألا ينتظر ممن سلبه حقه أن يعيده إليه، أو أن يذهب إلى صديق عدوه كي يعيد له حقه المسلوب، لكن يبدو أن ساستنا يتبنون ما قاله المتنبي: "ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن"، ونسوا: "إن الذي يرتجي شيئًا بهمّتهِ يلقاهُ لو حاربَتْهُ الإنسُ والجنُ" .
الأول يدعو للرضا بالواقع، والآخر يدعو لصناعة الواقع، لذلك ينظر كثيرون إلى قضية تقديم مجرمي الحرب الصهاينة للمحاكمة مهمة مستحيلة.
المهمة صعبة، نعم، وشاقة، نعم، لكن إن أردنا إنجاز الكثير منها فسننجز، لأن السكوت لم يعد ممكنًا ولا مشرفًا، ولابد لأحد أن ينطق بالحق، وينطلق لتنفيذه.