فلسطين أون لاين

​رصاصةٌ حققت حلم أمجد بالشهادة

...
صورة أرشيفية
غزة / نسمة حمتو:

في كل مرة كان يلقي على قلب والدته السلام، ويقبل يديها قبل أن يغادر منزله ليشارك في مسيرات العودة، كان يعلم منذ اليوم الأول لبدء مسيرات العودة الكبرى أن رصاصة ما ستخترق صدره ليمسي شهيدًا، يملأ أرض العودة دماءً ويروي عطش المئات من اللاجئين الذين يحلمون بالعودة إلى أراضيهم، كان يحلم كغيره من الشباب بمنزلٍ في الجنة يضيئه بقلبه الأبيض وذاكرته التي لا طالما حلمت بأن تحقق أمنيتها بالشهادة.

مسيرة العودة

في الثلاثين من مارس/ آذار الماضي وهو اليوم الأول لانطلاقة مسيرات العودة كان الشهيد أمجد حمدونة (19 عاما) يتجهز كغيره من الشباب للمشاركة، لم يكن يحلم بشيء أكثر من شهادة تريح جسده رغم أن والدته كانت تدعو له دائمًا بالتوفيق في حياته.

أحمد حمدونة شقيق أمجد تحدث لـ"فلسطين" عن نضال أخيه وأمنياته في الشهادة، وقال: "في اليوم الأول للمسيرة كان شقيقي متحمسًا جدًا كغيره من المشاركين، وفي هذا اليوم أصيب في قدمه اليمنى".

وأشار حمدونة إلى أنه على الرغم من إصابته إلا أنه كان يذهب بشكل يومي إلى مسيرات العودة ولم يتخلف عنها يومًا، مضيفًا: "كانت الإصابة صعبة جدًا وكان يتألم ولا يمشي سوى على عكازين ورغم ذلك كان يقول دائمًا لا بد أن أعود شهيدًا محمولًا على الأكتاف، على الرغم من أن والدتي كانت تقول له في كل مرة: انتبه لا تقترب من السلك، إلا أننا في كل مرة كنا نراه قريبًا جدًا من السلك".

الإصابة الثانية

في جمعة "الخان الأحمر" في الرابع عشر من يوليو/ تموز الماضي أصيب أمجد في ركبته ولكنها كانت إصابة خطيرة جدًا فقد تسببت في قطع الشرايين والأوردة التي توصل رجله بالقلب ما زاد وضعه الصحي خطورة واضطر للسفر إلى المقاصد من أجل إجراء عملية جراحية هناك، كما أوضح حمدونة.

وأضاف: "قبل استشهاده بأسبوعين زاد وضعه الصحي سوءًا وأدخل إلى غرفة العمليات فورًا، ولكن للأسف لم يستطع الأطباء تغيير وضعه للأفضل فقد دخل في غيبوبة خطيرة، وقرر الأطباء بعد تدهور حالته الصحية بتر رجله من أعلى الفخذ".

وتابع قوله: "كما أن الأطباء اضطروا أكثر من مرة لتغيير دمه بسبب التسمم الذي حدث لديه وفيما بعد تسبب عنده بتلف في خلايا الدماغ وأصبح غير قادر على تحريك يده اليسرى".

في نفس اليوم الذي قرر فيه الأطباء بتر رجل أمجد استشهد ليرتاح من العناء الذي عاشه أكثر من 52 يومًا في العناية المركزة.

دورات العقيدة

وأوضح حمدونة أن شقيقه كان مولعًا بالمسجد وحفظ القرآن وأخذ دورات العقيدة والفقه وقد أنهى دورتين قبل إصابته وأول من أمس كان تكريمه في المسجد في يوم استشهاده.

وقال: "كان أمجد حنونًا جدًّا ومطيعًا حتى علاقته بوالديّ كانت ممتازة جدًا على الرغم من أنه الابن الثالث إلا أن كان محبوبًا من الجميع، كان يساعد والدي دائمًا ولا يتوانى ولو لحظة واحدة عن تقديم المساعدة لمن يطلبها منه".

في يوم إصابة أمجد قبّل يد والدته وطلب منها تقبيله، وقال لها: اليوم سوف أستشهد، سامحيني، ودّع إخوته واتجه إلى مسيرة العودة ليصاب في قدمه مرة أخرى، ولكنها كانت هذه المرة السبب في شهادته لينال الأمنية التي تمناها.

وأكمل حديثه: "50 يومًا من العذاب عاشها أمجد وهو يصرخ بأعلى صوته من شدة الألم، 50 يومًا يبكي دمًا ولا يستطيع الأطباء فعل شيء له، كان يتمنى فعلًا أن يستشهد ويرتاح من هذه المعاناة".

طيبُ القلب

أما والدته أم أحمد حمدونة والتي لم تتمالك نفسها من البكاء حزنًا على فلذة كبدها فقالت: "الحمد لله كان يتمنى الشهادة منذ زمن ونالها، حقق ما تمنى، عندما استشهد صديقه في الحرب الأخيرة على غزة ودعه وقال له سألحق بك".

وأضافت: "منذ أن بدأت مسيرة العودة ونحن نتوقع استشهاده في أي لحظة رغم أنني كنت دائمًا أوصيه بأن لا يقترب من السلك الشائك وأن يحمي نفسه إلا أنه في كل مرة كان يغامر بنفسه ويقترب أكثر، وعندما أخبروني أنه أصيب في ساقه حمدت الله أنه لم يستشهد ولكنني لم أكن أعلم بأنه سيحقق حلمه في هذه الإصابة".

وتابعت قولها وهي تتذكر ذلك الطفل الخجول المُطيع: "كان أمجد طيب القلب لا يحب المشكلات كان كلما خرج من المنزل طلب مني أن أدعو له، وكنت أدعو له من كل قلبي، الحمد لله تمنى الشهادة ونالها ذهب لمن هو أكرم منا جميعًا".