توجهت في عام 2003م إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لحضور دورة تدريبية خاصة بالصحفيين الفلسطينيين، تعقد سنويًّا في مقر الأمم المتحدة، بمدينة نيويورك.
في تلك الرحلة ابتسم لنا الحظ، إذ قرر الأمين العام للمؤسسة الدولية آنذاك كوفي عنان الاجتماع إلينا، في تجاهل مقصود ومتعمد للبرتوكول القاضي بالتقاط صورة تذكارية مع المشاركين ثم المغادرة.
خلال جلستنا التي قررت مفتوحة بناء على طلبه تطرق "عنان" إلى العديد من القضايا والأسرار الفلسطينية، كان منها مستقبل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (UNRWA).
لم يدر في خلدي آنذاك مقصد الرجل من وراء الحديث عن مستقبل الوكالة، ولم أعي في حينها رغبته في بث رسالة من طريقنا إلى المجتمع الفلسطيني، يحذر فيها من مستقبل قاتم ينتظر قضية اللاجئين.
خمسة عشر عامًا مرت على اللقاء، وها نحن اليوم نواجه خطرًا حقيقيًّا يهدد ملف اللاجئين وحقهم في العودة إلى ديارهم المسلوبة.
أفكار عديدة تتلاطم داخل رأسي، فهل كانت رسالة الرجل لنا ترتكز على معلومات تفيد بوجود مخطط لتصفية قضية اللاجئين على المستوى الإستراتيجي؟، وإذا افترضنا أن الجواب بالإثبات فلماذا أكد "عنان" لنا أكثر من مرة أنه بمجرد التوصل إلى حل سياسي بيننا وبين (الإسرائيليين) سيصار إلى وقف عمل الوكالة تلقائيًّا؟
ولمحاولة الإجابة عن الأسئلة لابد من الإشارة إلى السياق السياسي الفلسطيني آنذاك، فخلال تلك المرحلة شهدت الغرف المغلقة أزمة ثقة عميقة بين الرئيس الراحل ياسر عرفات والحالي محمود عباس، وبغض النظر عن طبيعة الخلاف، المؤكد أن عرفات أدرك رغبة قوى عظمى في تولي عباس هرم السلطة، لأنه بنظرهم الأقدر على توقيع اتفاق أقرب للرؤية (الإسرائيلية)، وإذا ربطنا ما سبق مع تحركات الولايات المتحدة الحالية، ووقفها تمويل الوكالة؛ فلن نعجز عن استنتاج تبني البيت الأبيض سياسة "تمهيد" أرضية تفاوضية مريحة، بعد أن تستثني نهائيًّا ملفات حجر العثرة كالقدس واللاجئين، وبذلك يحقق اتفاقًا نهائيًّا بين الطرفين.
ولعل تصريح "ترامب" عن ضرورة دفع الكيان العبري ثمنًا سياسيًّا دون تحديد طبيعته يصب في تأكيد هذا المسعى، دون الإشارة إلى تصريحات السفير الأمريكي توماس فريدمان، التي قدمت تفسيرًا مغايرًا، في محاولة منه لضبط استتباعاتها داخل الكيان، خاصة بين أحزاب اليمين المتطرف.
وأيًّا كانت الأهداف فالمهم لنا الجمهور الفلسطيني أن نعي طبيعة المحاولات الأمريكية، المدعومة إقليميًّا وربما محليًّا، لوأد قضية اللاجئين، بعد أن اختبرت صمت العالم حين انتقلت بسفارتها إلى القدس، ولا أعلم على وجه التحديد أهذه الملفات هي المستهدفة حصرًا، أم أن القضية الفلسطينية برمتها مهددة، وتبقى الأسئلة المحورية: هل ستكون السلطة جزءًا من هذه المؤامرة، أم أن رفضها سيكلفها مستقبلها، بعد تجاوزها؟، وما علاقة التحركات الإقليمية لإيجاد حل إنساني في غزة بكل ما سبق؟، ولماذا يمنحنا العالم ذلك الشعور أن السلطة لها الكلمة العليا في أي صيغة اتفاق مع غزة؟، وهل سيدفع اللاجئ ثمن الكرسي؟