فلسطين أون لاين

​مؤثرو "السوشيال ميديا"

تستوقفني كثيرًا كلمة "مؤثر"، وتثير في نفسي تساؤلات حول طبيعة الشخصية "المؤثرة" في المجال الافتراضي، وخصائصها، والاعتبارات التي ينطلق منها مستخدمو مواقع الشبكات الاجتماعية في تحديد المؤثرين من عدمه. ومما لا شك فيه أن التساؤلات المطروحة معقدة، لكنها حيوية وعصرية، لملامستها تحولات راهنة يخضع لها مفهوم "قيادة الرأي"، إلى جانب تطورات أخرى موازية تتعلق بالقياس المنهجي لدرجة التأثير.

وقد نواجه صعوبة في تحديد قائمة بالأفراد المؤثرين على الشبكات الاجتماعية، لأن أدواتنا المستخدمة في القياس قاصرة، لا تتجاوز النظر في عدد الأصدقاء والمتابعين، وملاحظة أشكال التفاعل المباشر والصريح مع المضمون، سواء بالإعجاب أو التعليق أو المشاركة. ورغم أهمية الأدوات المذكورة، إلا أنها لا تؤشر على حدود التأثير وتمدده داخل الفضاء الأزرق، ولا تكشف يقينًا عن الدوافع التي تقف خلف التفاعل. فهل يعود السبب إلى شهرة الشخصية؟ أم لمكانتها ووظيفتها الاجتماعية؟ أم لقربها من السلطة وصناعة القرار؟ أم لرقي وجاذبية محتواها، وبالتالي قدرتها على تأجيج تفاعل كبير ومتنوع؟

الأبحاث الغربية التي تطرقت للموضوع قليلة، لكنها طرحت مقياسًا أوليًّا غير مكتمل، يتم من خلاله تحديد الشخصيات المؤثرة بالحد الأدنى. المقياس يطبق عبر ثلاث خطوات متدرجة، تبدأ بالملاحظة المباشرة لدرجة نشاط مجموعة من المستخدمين، ثم استطلاع رواد الشبكات الاجتماعية وسؤالهم عن الشخصيات التي تؤثر فيهم بغض النظر عن الموضوع، وأخيرًا دمج البينات المستقاة عن الملاحظة والاستطلاع للخروج بتقييم نهائي. وبرغم علمية الأسلوب، إلا أنه فاقد للمصداقية والثبات، لعدم قدرته على التفريق بين التأثير الحقيقي والمزيف، أو تحديد نوعه وديمومته، كما يتجاهل متغيرات أساسية مثل القدرة على الإقناع أو النفاذ لجميع صنوف المستخدمين.

وفي فضائنا الافتراضي، تتحدد الشخصيات المؤثرة بطريقة تشوبها الضعف، فنحن نركن للقياس الكمي البحت، دون أن نعتني بالجوانب الكيفية، التي تهتم بقياس نوع الأفكار ومعدل تبنيها وتكرارها وانتشارها بين المستخدمين. كما نستثني مبدأ "المماثلة"، وما يعنيه من جنوح المستخدمين نحو أقرانهم من ذات البيت والحزب والأيديولوجيا. لذلك، تحتاج أدواتنا إلى تطوير، وأن تأخذ مناهج تحليل الشبكات الاجتماعية، سواء النصية أو السلوكية أو الجغرافية، حيزًا من جهودنا عندما نقرر تحديد الشخصيات المؤثرة. كما يجب التفريق بين "قائد الرأي" بمفهومه التقليدي، و"المؤثر" بمفهومه الحديث. فلا يمكن لنا تطبيق ذات قواعد القياس القديمة على وسيلة اتصال حديثة، فقائد الرأي بالمفهوم السياسي قد لا يكون مؤثرًا البتة، ويمكن لفرد عادي امتلاك تأثير مضاعف ومتعاظم في القضايا السياسية.