فلسطين أون لاين

​أيام زمان أحلى

كثيرًا ما نتغنى بالماضي، نسمع قصصًا ما زالت في الذكرة خالدة، عن علاقات الناس، وبساطة الحياة، وكيف إذا مات أحدهم تتوقف الأفراح وترفع الرايات السود معلنين الحداد أيامًا، وكيف كانت القرية تودع مسافرها وتستقبل مبعدها، ارتبطت حياة الأجداد بالعفوية والفطرة، واليوم أصبحت هذه اللحظات تكاد تكون في الإرث القديم.

يوثق الدكتور عبد الوهاب المسيري مرحلة الزمن الجميل في كتابه "رحلتي الفكرية"، في حديثه عن الثقافات التي تربط المجتمعات، ويروي عن تجربته في العيش بأمريكا سنوات، وكيف أن علاقته بأحد الزملاء تنتهي برسالة شكر على اللقاء، وكيف أن فتاة أرادت أن تخرج مع صديقتها اضطرت إلى دفع بضع دولارات إلى أمها حتى تجلس مع طفلتها، وصف هذه الثقافة بالتعاقد، علاقات قائمة على المصلحة المباشرة، لا روح فيها تكونت بفعل انصهار الحضارات والاحتكاك مع الغرب، الذي تحكمه ثقافة الاستهلاك، ويقارن تلك التجربة بتجربته في العيش في دمنهور المصرية، كيف كانت الحياة أكثر لطفًا وبساطة، حياة قائمة على أسس الترابط الاجتماعي البعيد كل البعد عن ارتباطات المصالح، وهي ثقافة التراحم، الذي جعل للحياة روحًا.

الفرد يمارس سلوكيات الثقافيات التي تتبعها متأثرًا بالكثير من المؤثرات الخارجية والداخلية التي تبني تلك الثقافة، مثل: الأسرة والتعليم والإعلام، وتتحول إلى عادة مع تكرار الفعل، وهذا الارتباط يصبح السمت العام للمجتمعات، إما أن تكون تراحمية أو تعاقدية، أو تجمع بين الاثنين، مثل المجتمعات العربية التي تناضل للحفاظ على هويتها التراحمية في ظل صراعات العولمة والقرية الواحدة.

هذا ما فسره أحد الوزراء عندما تسلم حقيبة وزارية بقوله: "لا وقت اليوم لتكوين صداقات جديدة"، مؤمنًا بأن هذه العلاقات في وقت السلطة تختلف عن غيرها، هي قائمة على تسهيل مهام وغيرها من المصالح المرتبطة بالسلطة.

يردد الفرد المتراحم المجاملات، وكلمات مثل: "خلي علينا، اتفضل، خلينا نكسبك"، ويترك مكانه للكبير، ويعطف على الصغير، ويحافظ على صلة الأرحام والأصدقاء، ويقدس قيم العائلة، أما الفرد المتعاقد فيردد: "ماذا سأستفيد؟"، ويكون علاقات مع أصحاب المنافع.

يعود عليك الاختيار، إما ان تعيش حياة قائمة على التآخي والعطاء، أو أن تعيش حياة قائمة على المصالح والمادة، ماذا تختار؟