وسط حصار مطبق لمنزل عائلته الذي تحول لثكنة عسكرية، وجد العشريني محمد بهار وهو من ذوي متلازمة داون، نفسه بين فكي كلب أطلقه تجاهه جنود الاحتلال في حي الشجاعية شرق غزة.
بألمه النازف، دفعته براءته ليخاطب الكلب: "سيبني يا حبيبي خلص".
"أشعر كأنه قادم من الجنة"، هكذا تصف "سارة" أخاها محمد.
لكن سارة وأسرتها أيضًا تعرضوا لجريمة وحشية على يد الاحتلال عند اقتحام منزلهم، قبل أيام.
"محمد نطق وصار يتكلم، يحسس على رأس الكلب وهو ينهش جسمه، محمد بريء"، هذا ما تقوله سارة في منشور عبر حسابها في "فيسبوك".
تحوّل ذلك المشهد إلى كابوس في حياة سارة وأسرتها: "كلما أضع رأسي على وسادتي أرى كابوسا يحيطني من كل جهة ولو مر مليون سنة لن أنساه".
نهش الكلب جسد أخيها ولم يكن بمقدور أسرته فعل شيء، تعبر سارة عن ذلك بقولها: "روحي تؤلمني يا الله".
وما يزيد وجعها أن "محمد لا يؤذي أحدًا ولا يعرف أن يأكل ولا يشرب ولا أن يذهب للحمام إلا مع أمي، ولا يستطيع النوم إلا بجانبها"، مستدركة بحسرة: "محمد مهما كبر يظل صغيرا نهشت الكلاب يده وفصلوه عنا".
وتروي سارة تفاصيل اقتحام جيش الاحتلال منزلهم، إذ مارس 30 جنديًا مدججين بالسلاح والقنابل بحق أفراد الأسرة كل التعذيب النفسي وسلبوا هواتفهم المحمولة وأجبروهم على فتح الصور المخزنة فيها.
وعمد جنود الاحتلال إلى الأكل والشرب والتدخين أمام الأطفال وهم جوعى، كما غنوا وهدموا جدرانا وألقوا بنسخ من المصاحف على الأرض.
واستفز جنود الاحتلال سارة بمسح أحذيتهم بملابسها ووجهوا أسلحتهم عليها وأفراد أسرتها وبمجرد أن تحركت هي ضربها جندي بسلاحه على كتفها.
واعتقل الاحتلال أخويها: آدم وسيف، وربطهما وفصلهما عن بعضهما، وقبل ثلاثة أشهر اعتقل الاحتلال أخاها جاد.
طلبت سارة الاطمئنان على أخيها محمد وعلاجه، فزعم جنود الاحتلال أنهم أحضروا له "طبيبًا عسكريًا"، دون أن تتمكن الأسرة من التأكد من ذلك.
كما طلبت مساعدته في الشرب لكن جنود الاحتلال رفضوا، وأبعدوه عن أسرته وعزلوه في غرفة منفردا ولم يسمحوا لأمه أو أي من أسرته برؤيته.
قبيل المغرب، أجبرهم جنود الاحتلال على النزوح من منزلهم دون سيف وآدم ومحمد ورفع "رايات بيضاء"، وفي الشارع اشتموا "رائحة" جثامين الشهداء.
تصف سارة ما شاهدته بقولها: "الأرض مقلوبة قلب.. مشينا 10 أمتار كانت جرافة أمامنا وثلاث دبابات أطلقوا النار علينا رغم أننا كلنا بنات وأطفال".
وبينما لاحقتهم طائرة "كواد كابتر"، حاولوا الاختباء بمحال مكشوفة مع خشيتهم من أن تدمرها جرافة الاحتلال عليهم، وتكرر الموقف ذاته في منزل مقصوف لجؤوا إليه لساعة في الظلام وحضرت دبابة وأطلقت نيرانها تجاهه.
بعد فترة سمعوا أصوات مواطنين مجبرين أيضًا على النزوح انضموا إليهم، رغم وجود دبابة إلى جانبهم، لكن ما ينكأ جراح سارة وأسرتها هو عدم معرفتهم مصير محمد.
وتناشد العالم إنقاذ محمد وإعادته إلى أهله، قائلة: "أمي صبرت كثيرًا وتحملت من الهموم والمصائب في حياتها ومنها استشهاد أبي في 2002 الذي تعلق به محمد".
لكن والدتها الآن لا تقوى على البعد عن محمد.
وتتساءل سارة، ما الذي يريد العالم رؤيته حتى ينهي الحرب على غزة، أم أن معاناة الغزيين باتت عبارة عن "مشاهد ممتعة" له ولا يريد أن يرى لها نهاية؟
وتتمم: "نحن نموت كل يوم ببطء.. تعبنا من الفقد والاعتداء والفراق".
لكن فؤاد أم محمد وإخوته لا يزال يتمزق دون أن يجدوا لنداءاتهم أي صدى.