المسلم في حياته بحاجة لمنهج يسير عليه، وقدوة يقتدي بها ونور يهتدي به، ولن يجد هذا ولا ذاك إلا في سيرة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، فهو السراج المنير والقدوة الحسنة، كما قال الله تعالى في محكم آياته: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر".. فما أهمية تعلم السيرة وتدبرها؟ وما أثرها في حياتنا العملية؟ إجابة هذه الأسئلة وغيرها هي محور حديثنا في السياق التالي.
حياته منهج
قال العضو الاستشاري في رابطة علماء فلسطين الداعية أحمد زمارة: "نظرًا لأن حياة الرسول منهج حياة، فإنه حري بالمسلم أن يتعلم سيرته صلى الله عليه وسلم، ويتدارسها ويتدبرها ويتخذها منهاجًا يسير وفق فصوله، لأن دراسة السيرة النبوية العطرة تعد غذاء للقلوب، وبهجة للنفوس، وسعادة ولذة وقرة عين".
وأضاف لـ"فلسطين", أن السيرة جزء من دين الله سبحانه وتعالى، وعبادة يُتقرب بها إلى الله؛ لأن حياة نبينا عليه الصلاة والسلام حياة بذل وعطاء وصبر وجد واجتهاد ودأب في تحقيق العبودية لله تبارك وتعالى والدعوة إلى دينه عز وجل.
وتابع: "كما أن دراسة السيرة النبوية تعد ميزانًا لأعمال الفرد، ليقيس عمله وحياته بهدي النبي صلى الله عليه وسلم"، مذكرًا بما رواه الخطيب البغدادي: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الميزان الأكبر؛ فعليه تعرض الأشياء، على خُلقه وسيرته وهديه، فما وافقها فهو الحق، وما خالفها فهو الباطل".
وأوضح زمارة أن في دراسة سيرة النبي عليه الصلاة والسلام عونًا على فهم كتاب الله عز وجل، ولما سُئلت أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، عن خُلقه عليه الصلاة والسلام قالت: "كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ".
وبين أنها تُعدّ أساسًا لترسيخ محبة النبي صلى الله عليه وسلم في نفوس المؤمنين، وزيادة محبته بالنظر في صفحات سيرته بما فيها من معاناة في نشر الدعوة، وحرصه الشديد على نجاة أمته وإنقاذها من النار، وبالتعرف عليها يجد المسلم أنه يجب أن يحب نبيه حبًا لا مثيل له، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ".
ولفت زمارة إلى أن معرفة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم تعطي معرفة بالإسلام وعظمته، وتطلعه على قبح الكفر وأهله، وبعد معرفة الإسلام وعظمته والحذر من الكفر ومصيبته من خلال دراسة السيرة النبوية، فإنها تنقل الدارس لسلوك السبيل القويم والنهج الحكيم، كما قال الله تعالى: "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي".
وأوضح: "والإنسان إذا سار في درب الهداية واقتفى سيرة خير البرية نال السعادة والفرح والسرور، فلا سعادة إلا بسلوك نهجه، ولزوم هديه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه"، مشيرًا إلى ما قاله ابن القيم: "الله سبحانه علَّق سعادة الدَّارين بمتابعته، وجعل شقاوة الدارين في مخالفته، فلأتباعه الهدى والأمن والفلاح والعزة والكفاية والنصرة والولاية والتأييد وطيب العيش في الدنيا والآخرة، ولمخالفيه الذلة والصغار والخوف والضلال والخذلان والشقاء في الدنيا والآخرة".
وقال زمارة: "اليوم ونحن في طريق الحياة ومتاعبها والفتن التي تلاحق المؤمن في كل مكان يجد الإنسان نفسه بحاجة إلى ما يثبت فؤاده ويربط على قلبه، لقوله تعالى: (وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك، وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين)، وبعد أن ذكر الله تعالى تسعة عشر رسولاً في آيات متتالية في سورة الأنعام أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهديهم فقال: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ)".