ما الذي يمكن أن يكون أكثر إثارة لليأس في قلوب الشعب الذي يبذل دمه وماله وروحه في سبيل حريته، بينما يرى رئيسه مشدودا بأوتارٍ شديدة إلى فكرة عدم جدوى ما يفعل الشعب؟ وما الذي يمكن أن يكون أكثر قهراً في قلب جماهير تكتب تغريداتها بالدم، بينما ترى رئيسها يمحو تلك التغريدات بالإهمال واللامبالاة ويغرد خارج السرب، رغم أن تغريد الشعب هو التغريد الشرعي دينياً وأخلاقياً وسياسياً وقانونياً ؟
تعيش الساحة الفلسطينية حالياً وخاصة في غزة مرحلة انعاش وتفعيل لفكرة النضال السلمي، وهي فكرة لها قبول دولي على المستوى الرسمي والشعبي، ولها حظٌ وافرٌ في نصوص القوانين الدولية، حتى أن السلطة الفلسطينية لطالما نادت بالمقاومة الشعبية، وقد لجأت إليها الجماهير في غزة حيث أرادت ممارسة هذا النوع من النضال كي تظهر للعالم أن مقاومتها العسكرية ليست غاية المُنى، بل هي وسيلة تزول بزول علة وجودها، ولسنا عشاق سفك الدماء، بل إننا أصحاب حق وقد تخلى عنا القريب والبعيد ولجأنا لما لجأنا إليه، لكن العدو الصهيوني لم يرق له ما حدث فقابل السلمية بالرصاص فارتقى أكثر من 30 شهيدا وأصيب أكثر من 2000 جريح.
إن استثمار المواقف والأزمات هو عملٌ مهمٌ وفعالٌ وينم عن عبقرية لمن أراد وقدر وعرف من أين تؤكل الكتف؟ وأدوات استثمار الأزمات هي أدوات كثيرة، وهذا راجع لطبيعة الازمة وقوة الدولة، فلكل دولة عناصر قوة يمكن استثمارها من اجل تحقيق اهداف مرحلية أو دائمة، وبما أننا كفلسطينيين لا نملك سلاحاً قوياً كما يملك العدو، لكن يجب ألا يعفينا هذا العدم من عدم ممارسة وطرق كل وسيلة أو باب للبحث عن حقوقنا، بعزة الانفس دون أن نعطي الدنية في ديننا ووطننا، لأننا نعرف أن الأمور تجري بالمقادير .
في كل دول العالم توجد سفارات فلسطينية وسفارات عربية ، ومن وظيفة السفارة هي شرح قضايا شعبها وما يتعرض له، ونحن في فلسطين نعيش في دوامة الازمات التي خلقها الاحتلال منذ قرن، وعليه فإن الواجب الموكل للسفارات الفلسطينية أن تجتهد بقدر ما يجتهد اللوبي الصهيوني في الغرب، والذي يعمل بكل جهد لشرح رؤية دولة الاحتلال فيما فعلت وتفعل، وعلى الشخصيات والمؤسسات الفلسطينية والعربية المساندة لإبقاء جذوة فكرة العودة متقدة وتفعيلها باستمرار امام المؤسسات القانونية الدولية.
شخصياً,وعن تجربة عشتها مع سفارة فلسطينية بالخارج وما سمعته وقرأته عن سفاراتٍ اخرى يمكن القول إن أغلب السفارات لا تعمل ما يلبي طموحات الشعب والقضية الفلسطينية ، حيث تحول بعضها لمراكز عقد صفقات تخص العاملين فيها أو رموز السلطة ، ولا تتفاعل مع المؤسسات في تلك البلاد إلا بالقدر الذي يبرر وجهة نظر السلطة ويخدمها.