القارئ للسنة النبوية قد يشعر للوهلة الأولى أن هناك شيئًا من التناقض في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن أحب الأعمال إلى الله، من خلال قراءته ومراجعته للأحاديث المروية عن الرسول عليه الصلاة والسلام في بيان مقياس الأفضلية بين الأعمال فسيجده أنه مختلف من حديث لآخر، وهو ما يستدعي التساؤل عن السبب في اختلاف روايات الرسول عليه الصلاة والسلام في بيان أفضلية الأعمال؟ وهل هناك فائدة من ذلك؟ كما أنه كيف يمكن للشاب المسلم أن يحدد ما يأخذ به من أفضل الأعمال؟ هذا ما نتحدث عنه في السياق التالي:
ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أحاديث متنوعة عن أفضل الأعمال وأحبها إلى الله، عن ابن مسعود قَالَ: "سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: "الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا"، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "ثُمَّ بِرُّ الوَالِدَيْنِ" قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"، وفي حديث آخر، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ: "أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ"، وعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: "قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ، وَيَدِهِ".
يقول د. زياد مقداد أستاذ مشارك في الفقه وأصوله بالجامعة الإسلامية لـ"فلسطين": "بالفعل تعددت الروايات الصحيحة في بيان أفضل الأعمال وأكثرها أجرًا وقبولًا عند الله، ولعل للوهلة الأولى يرى الناظر أن هناك نوعًا من التعارض، ولكن ليس ثمة تعارض أو تناقض حقيقي في أحاديث وروايات رسول الله فهو لا ينطق عن هوى إنه وحي يوحى إليه بكل ما ينطق به".
وأوضح أنه من جانب آخر أنه ينبغي أن نعي أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام بألا يكون منقطعًا عن فهم الظروف والمعطيات، فربما حديثه في إجابته عن سؤال شاب لأمرٍ يختص به، أو كان كلامًا عامًا عن بيئة تقع فيها مشكلة.
وأشار د. مقداد إلى أنه عندما ذكر أفضل الأعمال وكانت إجابته بر الوالدين، فقد يكون موجهًا لشخص عنده شيء من العقوق فأراد أن يبين له رسول الله أن البر من أفضل الأعمال التي يمكن أن يتقرب بها العبد إلى ربه، وقد يكون عقوقه إحباط لأعماله الصالحة، وفي ذاته عندما تحدث عن أفضل الأعمال بأنه الجهاد في سبيل الله قد يكون في حال تأهب المسلمين لخوض معركة مع الكفار فأراد أن يحثهم على الجهاد ويشحذ هممهم.
ونوه إلى أنه كلما تجدد ظرف يتوجب فيه الجهاد فسيكون أفضل الأعمال، خاصة عندما يكون في حالة شعب احتلت أراضيه، وانتهكت أعراضهم، وقتل أطفالهم، فالجهاد يكون لحماية العرض والمال فهو أفضل الأعمال.
وبين د. مقداد أن تعدد الأفضليات يدل على تنوع الطاعات والعبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، فربما يكون الجهاد أكثر قبولًا من الصوم، وبالتالي اختلاف الأفضليات جاء مراعاة للحالات والقدرات والرغبات التي تحملها النفوس البشرية.
وتابع حديثه: "ربما الذي يفوته الجهاد، لن يخسر؛ فهناك بدائل، والرسول دائمًا يضع البدائل، فعندما قال أحدهم للرسول عليه الصلاة والسلام ذهب أهل الدثور بالأجور، يعني أهل الأموال والأغنياء، فهم يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، فأعطاه الرسول البديل عن ذلك، بأن يسبحوا لله 33 مرة ويحمدوه وكذلك يكبروه 33 أخرى، لكي يكون شيء من العدالة".
واعتبر د. مقداد أنه يمكن للشاب المسلم أن يحدد ما يأخذ به من أفضليات بناء على ما تمليه عليه الظروف، فقد تكون حاجة والديه له أهم من جهاده في سبيل الله، وهذا لا يعني التخلف عن الجهاد بحجة بر الوالدين.
وختم حديثه: "تعدد هذه الأحاديث التي تذكر العديد من فضائل الأعمال ينبغي ألا يكون مدعاة في التشكيك بالأحاديث النبوية، لأنها محفوظة من الله كما تولى حفظ القرآن من خلال تسخير علماء من هذه الأمة".