فلسطين أون لاين

​هذه الهدية صُنعت لَك.. إنها "موضة الهدايا"

...
غزة - أسماء صرصور

حتى عهدٍ قريب، كانت أكياس السكر والطحين والأرز هي الراعي الرسمي لهدايا يقدمها الناس في المناسبات المختلفة، ومع مرور الوقت تطورت الهدايا لتكون الأواني المنزلية، على اختلاف أنواعها، فمثلا أصبحت أكواب العصير هي المسيطرة في الزيارات.

ولأن الهدية أصبحت، في وقت ما، مجرد "رفع عتب" ورد مجاملات، كانت علبة أكواب العصير تنتقل من منزل إلى منزل، كهدية من عائلة إلى أخرى، وفي بعض الأحيان تعود الهدية في نهاية هذه الرحلة إلى صاحبها الأصلي.

في وقتنا الحالي، ازداد الوعي نوعًا ما بين العائلات، فصار الشخص يتصل بصاحب المناسبة يسأله عمّا يحتاجه لتكون هديته مناسبة له، وازدادت الهدايا تطورًا، ليغدو منها هدايا شخصية بحتة لا يمكن بأي حال من الأحوال إلا أن تكون لصاحب المناسبة، كميدالية تحمل اسمه أو حرفه الأول أو قميص مطبوع عليه صورته.

في سياق التقرير التالي، تتحدث "فلسطين" عن تطور الهدايا، ومتابعة الناس للتغيير الحاصل فيها، وعن مدى موافقتهم لاختيار الهدية الشخصية، والأثر الاجتماعي لمثل هذه الأفكار..

بقيمتها لا بثمنها

"إبراهيم مسلم" يقول: "إن طبيعة العلاقة بين الناس تفرض نوع الهدية، فهدية الأم والأب تختلف تمامًا عن هدية الزوجة أو الزميل في العمل والصديق المقرب"، مضيفا: "الهدية ليست شيئا عابرا أو شيئا مرتفع الثمن، إنما تكون بقيمتها المعنوية والرمزية التي تدلل على مكانة الشخص عند صاحب الهدية".

وعن تجربته الشخصية في الهدايا، يتحدث عن هدية مغلفة غير تقليدية وصلته من صديقه، فتحها ليجد أن صديقه حفر اسمه على لوحة بشكل لافت وجميل مما أسعده جدًا، معترفًا: "الهدية تخجلني جدًا، فردها يحتاج إلى لباقة واختيار مناسبة جميلة، ونوعية هدية قيمة، وتقديمها بطريقة مميزة".

أما "عصام الجرجاوي"، فيفضل أن تكون الهدايا عملية، يستفيد منها الشخص الذي يستقبلها، ومع ذلك، فهو في بعض الأحيان يضيف إلى الهدية شيئًا صغيرًا كتذكار، على غرار الميداليات التي تحمل الاسم أو حرف الشخص صاحب المناسبة.

ويلفت الجرجاوي إلى أنه أهدى صديقا له ميدالية خشبية تحمل اسمه، وحافظة جوال تحمل اسمًا مطرزًا، مشددًا على أن العبرة في الهدية أنها ذكرى من الشخص نفسه ولا يشترط أن يكلف نفسه كثيرًا فيها.

مفتاح الحب والسرور

الطالبة الجامعية "حنين حامد"، تقول: "أحب متابعة تطور الهدايا ومعرفة الأفكار الجديدة في تقديمها"، مضيفة: "طريقة اختيار الهدايا وتنسيقها وترتيبها وتمييزها عن غيرها من الهدايا تظهر مقدار الحب الذي يحمله مشتريها لمستقبلها".

وتتابع: "الهدية ليست بقيمتها المادية، بل في القيمة المعنوية ومقدار السرور والسعادة الذي يمتلئ بها القلب حينما تصله"، مذكّرة بأن الإسلام وصّى بالهدية وفق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تهادوا تحابوا".

وتوضح أن الهدايا تعمل على تقوية العلاقات بين الناس وتصنع الحب بينهم، مبينة أنه من الممكن تقديم الهدايا الرمزية لأشخاص قد لا تربطهم علاقات قوية جدًا، بهدف الحفاظ على العلاقات العامة والخاصة ومحاولة تعميق الروابط الاجتماعية ونشر الحب للقضاء على الكره.

"سهاد فروانة" تتابع تطور الهدايا و"الموضة" التي تتغير من وقت لآخر، وتقول إن كثرة الإعلانات الممولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي حول الهدايا المتميزة والأنيقة تدفع الأحباب والأصحاب للشعور بالتميز إن كان حظهم هدية أنيقة كما يشاهدونه باستمرار على الإنترنت.

وتشير إلى أنها تختار الهدية الشخصية جدًا، كأن تحمل اسمًا أو صورة في نطاق ضيق جدًا، ولأقرب المقربين، في حال عرفت ذوقه جيدًا، وكانت تثق تمامًا أن هذه الهدية ستنال إعجابه، وأنها تعني له الكثير جدًا، مبينة أن هذا النوع من الهدايا يناسب الأصدقاء أو المخطوبين أو المتزوجين أكثر من أية فئة أخرى من الناس.

وتوضح: "أعمل على تنسيق الهدايا بنفسي مع الاستعانة بالإنترنت قليلًا لأن لدي هوايات في الأشغال الفنية، وأشعر أن الهدية إن كانت مشغولة باليد ولشخص مقرّب مني وتحمل بصمتي فإنه سيشعر بقيمته عندي، وبمقدار الحب الذي بيننا".

وتنوه فروانة إلى أنها عندما تحصل على هدية تحمل تفصيلاً خاصًا بها، فهذا يعني أن الشخص الذي قدمها لها مهتم بها وبتفاصيلها ويعرف ما يسعدها بدليل أنه فكّر ليقدم شيئا بحب.

نقلة نوعية

بدوره، يقول ربيع الكردي، وهو صانع هدايا خشبية يسوّقها عبر الإنترنت: إن التطور التكنولوجي أدى لانتشار صور الهدايا عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير جدًا ولافت للنظر، مما أدى للبحث عن أفكار تتنافس عليها الشركات والمحلات والأشخاص لتوثيق لحظات الناس بأجمل التفاصيل اليومية والصور، ومن هنا جاء التنافس في تقديم أفكار جديدة للهدايا.

وعن مجال عمله يضيف: "توجد تقنيات حديثة في صناعة الهدايا الخشبية الشخصية مثل حفر اسم الشخص على الخشب، أو الحرف الأول من اسمه"، متابعا: "هذه النوعية من الهدايا، مثلا، أدّت إلى نقلة نوعية في مفهوم الهدايا الخشبية المختلفة".

ويؤكد أن الإقبال يزداد حاليًا على هذه النوعية من الهدايا، على اعتبار أنها تبقى ذكرى جميلة من الشخص المهدِي للمهدَى إليه، مبينا: "أكثر الهدايا التي أصنعها هي القواعد التي تحمل أكواب القهوة باسم الشخص أو بحرفه الأول من اللغة الانجليزية، والحروف المضيئة بنقوش مختلفة، وأرفف الديكور المنزلي لغرف الأطفال والمطابخ وغيرها".

ويوضح: "هذه الأفكار تستغرق وقتًا وجهدًا في التصميم، لأننا ننتج القطعة حسب رغبة الزبون أو حسب الفكرة الجديدة في المحيط، لأن التفاصيل اليدوية الدقيقة تحتاج تركيزًا ودقة في تصميمها"، موضحًا أن أسعار الهدايا التي تحمل بصمة شخصية لصاحبها تنافس الهدايا العادية في أسعارها وقد تكون أقل منها ثمنًا لكنها أعلى قيمة.

وعن المواقف التي يتعرض لها أثناء عمله، يقول الكردي: "أجمل ما أمرّ به في عملي، ردود فعل الناس، كأن أرى فرحة الزبون بعد استلامه لطلبه وفق ما أراد، بينما المواقف المحرجة تتمثل بانزعاج بعض الزبائن من كون بعض الهدايا تستغرق وقتًا في تشكيلها وتلوينها، بما يتعارض مع المواعيد والمخططات التي يرسمونها".

حسب العلاقة

وفي ذات السياق، يقول المختص في الصحة النفسية والمجتمعية أحمد حمد: إن الهدية ذاتها تحمل معاني مختلفة، تختلف حسب طبيعة العلاقة بين الشخصين، فهي نفسها يمكن أن تُقدم في حال كانت العلاقة سطحية جدًا، وفي حال كانت متينة جدًا.

ويضيف: "العلاقات العادية جدًا بين الزملاء في مكتب واحد يمكن أن تكون الهدايا الشخصية الخفيفة كميدالية خشبية صغيرة تحمل حرف الشخص أو اسمه مناسبة لها، وفي ذات الوقت، فإن هذه الميدالية مناسبة ليتبادلها الأزواج أو المخطوبون أو الأصدقاء ذوو العلاقة القوية جدًا لتحمل تعبيرًا عن الحب والتقدير والاحترام بين الطرفين".

ويلفت النظر إلى أن نوع الهدية تحكمه طبيعة العلاقة بين المتهادين، وطبيعة المكان الذي يربطهم، وطبيعة المناسبة التي تُقدّم الهدية فيها، ونوعية الهدية التي قدمها الطرف الثاني في مناسبة سابقة.

وينوه حمد إلى أن بعض الأشخاص يسأل صاحب المناسبة عن الهدية التي يحتاجها، كأن تكون المناسبة زواجا أو إنجابا، نظرا لحاجة الشخص لمستلزمات جديدة في هذه الحالة، مؤكدًا: لا حرج من طرح هذا السؤال، بل يعكس هو مقدار الاحترام والاهتمام بأن تكون الهدية ذات قيمة وتناسب الاحتياجات، وهو سؤال يقوي النسيج التكافلي".

ويقول حمد: "الهدايا من الأمور التي تقوي النسيج الاجتماعي وتعمّق أواصر المحبة والتكافل وتزيل المشاعر السلبية مثل الشحناء والبغض والكره والحقد، وهي تعزز الثقة بين المتهادين وترسّخ مبادئ الثقافة الإسلامية والمجتمعية التي تحث على تبادل الزيارات والهدايا كنوع من دعم المحبة والتكافل الاجتماعي.

ويشدد على وجوب خلو تقديم الهدايا من "المعايرة"، كأن يتحدث الشخص أنه قدّم لفلان هدية في مناسبة خاصة به، لكنه لم يرد بالمثل ولم يقدم له هدية بنفس القيمة في مناسبة تخصه، مبينا أن هذا الأسلوب ينزع من الهدية فكرتها بأنها "تهادوا تحابوا"، لتصبح مصدرًا للمشاكل والخلافات والكره.

ويؤكد على ضرورة التماس الأعذار وتقدير أحوال الناس فيما يتعلق بثمن الهدايا، فربما على الشخص التزامات معينة منعته من رد الهدية وقتها.