بعيدًا عن سريرها وبيتها وأحلام طفولتها وكتبها المدرسية، وجدت الأسيرة المحررة مرح الجعيدي (16 عامًا) من محافظة قلقيلية شمال الضفة الغربية المحتلة، نفسها بين قضبان تخفي خلفها عذابات أسرى وأسيرات فلسطينيين.
على مدار عام كامل من الأسر في سجون الاحتلال، حرمها من استيقاظها الصباحي مع إطلالة كل يوم للذهاب إلى مدرستها، افتقدت حنان والديها ودفء منزلها، واللعب مع صديقاتها وأجواء العائلة على موائد الطعام، لتكون وحيدة خلف قضبان كاحلة السواد، ترقب الأمل الخافت الذي يتسلل إليها من نافذة السجن بانتظار الحرية.
في 29 يناير/ كانون الثاني الماضي، اعتقلت قوات الاحتلال الجعيدي قرب مستوطنة "كرني شمرون" شرق قلقيلية، ليتهمها بحيازة سكين بزعم محاولة تنفيذ عملية طعن، وبعد تأجيل محاكمتها أكثر من 20 مرة، أصدر بحقها حكمًا بالسجن لمدة سنة، انتهت بالإفراج عنها الاثنين الماضي، ودفع غرامة مالية بقيمة 5 آلاف شيقل.
وتقول مرح لصحيفة "فلسطين": "اعتقلتني قوات الاحتلال قرب مستوطنة "كرني شمرون" بعد أن أطلقوا ثلاث رصاصات باتجاهي، لم تصبني، وقاموا بعد ذلك بتوجيه لائحة اتهام ضدي بحيازة سكين لتنفيذ عملية طعن".
في مستوطنة "أرئيل"، بدأت التحقيقات مع "مرح" حاول خلالها المحققون الإسرائيليون إثارة الخوف لإجبارها على الاعتراف بما تتضمنه لائحة الاتهام، وتهديدها بالسجن خمس سنوات.
تستذكر مرح يومها الأول في سجون الاحتلال، بالقول: "استقبلتني الأسيرات بحب وحفاوة محاوِلات التخفيف من صعوبة اليوم الأول".
أما في اليوم التالي، فقد عاد المحققون في سجن "هشارون" للتأثير على "مرح"، ليدور بينها وأحد الضباط الحوار الآتي:
- ضابط الاحتلال محاولًا إرباكها: "محامي الدفاع عنك اتصل بي وأخبرني أنه لا يعرف ماذا يفعل بالقضية، اعترفي حتى يعرف المحامي التعامل معها".
- مرح بكل ثقة: "اللي عندي حكيتلك إياه لم أقصد تنفيذ عملية طعن".
لم ينته الموقف هنا، بعد أيام ذهبت مرح إلى جلسة المحاكمة لتجد المحامي والمحقق الإسرائيلي برفقته، فسألت المحامي: "هل أنت أخبرته أن أعترف بتنفيذ عملية طعن"، فأجابها: "لم أخبره"، تواصل مرح بتهكم مستذكرة تلك اللحظة: "بمجرد أن شعر المحقق الإسرائيلي أنه في مأزق ادعى أن لديه اتصالًا وخرج من القاعة".
وثمة ثلاثة مواقف عاشتها مرح زادتها ألمًا وحسرة في سجون الاحتلال، الأول هو مولد شقيقها الذي كانت تنتظره، إذ تقول: "شعرت حينها بالحزن لأنني علمت من خلال المحامي بعد شهرين من اعتقالي (..) كان موقفا عصيبا ألّا أرى شقيقي الذي كنت أنتظره".
مرّ شهران آخران على مرح في الأسر، وكانت على موعد مع خبر آخر، تزامن مع أول زيارة لوالديها بعد منع استمر أربعة أشهر، سألت مرح والدتها عن شقيقها الصغير وشاهدت صورته، وقبل أن يغادرا أخبراها بوفاة جدها الذي كانت تحبه، وتعلق: "أخفى والدي الخبر لمدة شهرين حتى لا تسوء حالتي النفسية فكان خبرًا مؤلمًا".
إفراج مؤجل
ولا يقل هنا الموقف صعوبة عن سابقيه، فبعد أيام من الزيارة السابقة أي بعد أربعة أشهر من الأسر، كانت مرح على موعد مع جلسة محاكمة، وحينها أخبر القاضي الإسرائيلي أنه سيتم الإفراج عنها الساعة الثالثة عصرًا من اليوم التالي، تقول: "عدت إلى القسم سعيدة، ودّعت الأسيرات وجهزت أغراضي، وحددت الثياب التي سأرتديها، وأخذت رسائل تذكارية من الأسيرات".
"مرح الجعيدي إفراج".. تقول مرح إنها كانت بانتظار هذه العبارة في ذلك اليوم، "لكن مر يوم ويومان ولم يبلغني أحد بالإفراج، فأخذت إلى جلسة محاكمة في محكمة "عوفر" وهناك قدمت النيابة الإسرائيلية استئنافًا على قرار المحكمة لأبقى سنة كاملة في الأسر".
وعن ظروف الاعتقال، تقول مرح: "كانت إدارة السجون تأخذنا "للبوسطة" قبل جلسة المحكمة بيوم وبعدها، حيث تحتوي كل غرفة على ثلاث كاميرات ودورات المياه مكشوفة، فلا نستطيع تبديل ثيابنا أو دخول الدورة.. كان الموقف مُذِلًّا وبشعًا ومقززًا".
وتختم مرح حديثها بالقول: "تعلمت في السجن الصبر ومواجهة العالم، وأوصتني الأسيرات بأن رسالتهنّ هي الوحدة الوطنية والحرية القريبة لهنّ".