يمتد سيل الانتفاضة الفلسطينية ضد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوماً بعد آخر؛ حيث بلغَ عدد المعتقلين بسبب مقاومة قراره القاضي بجعل القدس عاصمة لــ (إسرائيل)؛ نحو ما يزيد عن 250 مواطنا في مدينة قلقيلية، في ظل تجدد المواجهات بالقرب من نقاط الاحتكاك مع جنود الاحتلال.
لم تقتصر اعتداءات الاحتلال على قمع الشبان واعتقالهم في مناطق المواجهات؛ بل صارت سحب الغازات المسيلة للدموع التي تُلقى قنابلها تصل إلى المنازل القريبة من مركز المدينة.
واشتكى عبدالرحيم صوي (72 عاما) الذي يسكن في حي النقار، من غزارة قنابل الغاز التي ألقيت مما تسبب بالغثيان لسكان المنطقة، موضحاً: "هذا الغاز يؤذي كل من يستنشقه خاصة المرضى، ولا يمكن التخلص منه بمجرد إغلاق النوافذ لأنه سهل التسلل".
ويؤكد أنه لا يأبه لأي ضرر؛ فكل ذلك فداء للقدس التي تستحق منا كل تضحية؛ مضيفاً: "هدمَ الاحتلال منزلي واستشهد اثنان من أبنائي ، ولدي ابن أسير وكذلك ثلاثة من الأحفاد، ولازلنا مستعدين للبذل كي لا يمر قرار ترامب العنصري؛ مهما قمع الاحتلال شبابنا لن نرفع الراية البيضاء كما يأملون.. عليهم أن يوقنوا أن القدس ليست وحيدة".
ووفقاً للمسن عبدالكريم العدل ( 75 عام) فأرضه متاخمة للجدار الغربي في حي النقار، وبالتالي تصلها آثار القنابل المُسيلة للدموع ، ناهيك عن تعمد الاحتلال لتخريب المنطقة بأكملها، ويمكن مشاهدة غزارة القمع بالقنابل- المسجلة أسماؤها عليها- من خلال المخلفات في الأراضي القريبة.
التجار والناس في الأسواق وسط مدينة قلقيلية تأثروا من إطلاق هذه القنابل؛ فهذا التاجر عبدالفتاح داود يقول: "حين تندلع المواجهات يشعر الجميع بالاختناق جراء تلك الغازات وتصاب عيوننا بحساسية؛ لذا لم يعد الراغبون في التسوق من المناطق المحيطة في مأمنٍ عن هذا الإرباك، الجنود يطلقون قنابل الغاز بكثافة لا توصف ومن خلال قاذفات وضعت خصيصاً داخل دوريات الاحتلال التي تطلق وابلاً من القذائف في لحظة واحدة".
وفي "جامعة فلسطين التقنية" خضوري " في طولكرم انتشر الغاز المسيل للدموع وسط المدينة في منطقة السوق والكراجات؛ ويبدو الطالب زياد شريم متذمراً من هذه الأجواء؛ قائلاً: "اضطررت قبل يومين إلى مغادرة الجامعة بسبب كثافة الغازات داخل الجامعة التي يطلقها الجنود من داخل الأراضي المحتلة على الطلبة بحجة وجود مواجهات؛ لم نعد تحتمل سحب الغازات السامة وداخل المدرجات وقاعات الدراسة، هذا ديدن الاحتلال لا يكف عن التفنن في الانتقام".
المدارس غاضبة
لم يتوقف الأمر عند حد الغازات؛ بل انقلب رأساً على عقب حتى على صعيد الأحاديث في المجالس، إذ يقول المرشد النفسي د. حاسم الشاعر لــ "فلسطين" :" قرار يمسّ قضية الأمة من الطبيعي أن يدخل في أدق تفاصيل حياتنا وأفكارنا واحاديثنا".
ويضيف إن الشعب الفلسطيني يتنفس السياسة بسبب انتهاكات الاحتلال اليومية بحقهم فما بالنا بحدثٍ جلل كالقدس، حتى في المناسبات الخاصة يتطرق الناس إلى الشأن السياسي الراهن".
ويظهر الحزن واضحاً على محيا المدرس محمد عمر من قرية رأس عطية جنوب قلقيلية؛ والذي عبر عنه بالقول: "قرار ترامب أحدث في نفوسنا انتفاضة عارمة لا مثيل لها؛ حتى أن طلبة المدرسة التي أعمل فيها حاولوا إفراغ غضبهم عبر النقاش داخل الغرف الصفية، والرسم والكتابة؛ جميعنا ناقمون ولن نسكت على الظلم؛ لأننا إن صمتنا سيسير هذا القرار نحو مجراه".
أما الثمانيني محمود عفانة- وهو مدرس سابق- كادت عينه تذرف الدمعة وهو يقول: "في عام 48 اغتصبوا أراضينا؛ واليوم أمريكا تريد تجريدنا من مقدساتنا؛ أشعر بغصة لا تُحكى بالكلمات، هذا القرار مرارته أشد من العلقم؛ لكننا بإذن الله سنواجهه بيدٍ واحدة".
ويقول المدرس ماجد جبر من مدرسة المرابطين أن فقرات الإذاعة المدرسية الأسبوع الماضي تركزت على أهمية القدس في قلوبنا وعقيدتنا ، وأن لا أحد يستطيع الغاء حقنا فيها مهما بلغت غطرسته.
ويضيف جبر :" قرار ترامب بشأن القدس جعل الصغار ينتفضون قبل الكبار؛ فقد استمعت للعديد من الطلبة وهم يتحدثون داخل الصف عن المواجهات والمسيرات التي جرت، وبحماس رووا عن مشاركاتهم فيها برشق الحجارة فيما جنود الاحتلال أطلقوا الرصاص باتجاههم.
ولا يخفي دهشته؛ المعلم عبدالله جعيدي من المدرسة السعدية وهي أقدم مدارس قلقيلية؛ إزاء العصف الذهني الذي رآه من طلاب المرحلة الثانوية حين أخذوا يقترحون حلولاً سبقت في نضجها القيادة السياسية، قائلاً: "خلال النقاش معهم داخل الصف، شعرت بمدى ألمهم العميق بسبب ما يحدث من تداعيات في قضية القدس؛ ولكن ما يهوّن عليّنا أنه جيل يُبشر بالنصر".