فلسطين أون لاين

​اللهجة الفلسطينية.. بين التمسك بالهوية والانفتاح على العالم

...
غزة - خاص "فلسطين"

مما يميز الشعوب، لهجاتها، التي تُعد بمثابة هُوية لها، فتُعرف جنسية المتحدث من طريقة، وإذا كان لكل شعب لهجة عامة، فلكل منطقة تفاصيل، إذ تتفرع من كل لهجة لهجات محلية تميز المنطقة عن الأخرى.. وهكذا الحال بالنسبة للهجة الفلسطينية، فيها تنوع واضح في نطق بعض الحروف بالانتقال من مكان لآخر، وذلك بفعل اختلاف الموقع الجغرافي ما بين الساحل والجبل والسهل والصحراء في فلسطين.

ومع الانفتاح على العالم بفعل التكنولوجيا، بات من السهل التعرّف على لهجات الشعوب الأخرى، ومن الشباب من يأخذ من تلك اللهجات ما يعجبه، وفي المقابل ثمة من يرفض التخلي عمّا نشأ عليه، ومنهم من يقبل للفتاة أن تغير لهجتها بلهجة "أكثر رقّة"، ويعتبر ذلك معيبا للشاب إن فعله..

"فلسطين" سألت عددا من الشباب عن رأيهم فيما يتعلق باللهجة المحكية، وهل يتمسكون بها كما هي أم أنهم مستعدون لتغيير طريقة حديثهم..

للتأقلم

"ندى عبد العال" طالبة جامعية تتنقل بين محافظتي رفح وغزة طلبا للعلم، هي تمضي ما يقارب نصف يومها في الجامعة، تتحدث مع هذه وتخالط تلك، وكل واحدة منهن تعيش في بيئة مختلفة رغم صغر البقعة التي نعيش عليها.

تتحدث ندى باللهجة الفلاحية، ولكن في الجامعة قد يصعب عليك معرفة لهجتها الأصلية كونها أتقنت اللهجة "الغزاوية" في محاولة منها للتأقلم مع البيئة التي تمضي نصف وقتها فيها.

تقول لـ"فلسطين": "البيئة المحيطة تلعب دورا مهما في اختيار اللهجة المناسبة عند الحديث مع الآخرين، ففي المنزل أتحدث باللهجة الفلاحية التي أحبها وأرتاح بها، لكن في الجامعة تحكمني علاقاتي بصديقاتي وزميلاتي، مما يجعلني أتكلم بلهجة مناسبة للجميع ورسمية في بعض الأحيان، وأيا كان ما أتحدث به فلهجاتنا الفلسطينية لا تختلف كثيرا من منطقة لأخرى".

في حين وافقت الطالبة "آية المتربيعي" زميلتها في الجامعة رأيها، فقد وصفت تغيير الطالبات اللواتي يدرسن غزة ويقمن في محافظات أخرى للهجاتهم الأصلية بأنه "تأقلم ناجح"، مبينة أن الشخصية الناجحة هي التي تتأقلم قدر المستطاع مع المكان الذي تتواجد فيه ومع الشخصيات التي تتعامل معها.

لهجتي تميزني

وخالفتهما في الرأي الطالبة "إيمان العقيلي" والتي رأت أن التأقلم الصحيح هو بالعمل الناجح والتعايش مع الآخرين دون تغيير أي من التصرفات واللهجات، مشيرة إلى أن "اللهجة الأصلية هي أيقونة تميّز في ظل اختلاف اللهجات في قطاع غزة".

العقيلي والتي يغلب على كلماتها اللهجة اليافاوية، قالت لـ"فلسطين" : "لا أزال متمسكة بلهجتي الأصلية، لهجة أجدادي، وأنا أعتز بها، رغم كل التعليقات التي أواجهها عند حديثي مع الآخرين".

وأضافت: "في إحدى المرات أثّرت تعليقات الآخرين بي، مما اضطرني إلى محاولة التحدث باللهجة الغزية، لكن صعوبة تقبلها والتعامل معها جعلني أعدل عن الفكرة، وأعود للحديث بلهجتي الجميلة، فلا قيمة لنا دون لهجاتنا الأصلية والتي تميزنا عن غيرنا".

وتابعت: "عندما نتحدث بلهجات مختلفة نشعر بنوع من التميز، وخاصة عندما تتمسك بلهجتك رغم تعلمك لهجات الآخرين، فأنا مثلا أتقن اللهجة الجزائرية، لكن عندما أتواصل مع صديقاتي في الجزائر أفضل الحديث بلهجتي الفلسطينية اعتزازاً بها ومحافظة عليها".

ووافقها رأيها الشاب "عبدالله الفرا" من مدينة خانيونس، إذ لم يجد أي مبرر يجعله يغير لهجته التي تعود عليها، حيث أوضح أنه يتعامل بكل أريحية مع الشخصيات التي يقابلها دون الحاجة لتغير لهجته الأصلية، مبينا أنه يفتخر بها عندما يتحدث مع أصدقائه المصريين كونه يعدّها أصله ويجب المحافظة عليها.

اندماج

أما عن الصحفي "عبد الله سلفيتي" فقد امتزجت لهجته بين العامية والرسمية، وذلك بفعل مهنته التي تضطره للتعامل مع فئات مختلفة من الناس من مناطق متنوعة، قال "لست متقيدا بلهجة معينة، فأنا أتحدث باللهجة التي تناسب الشخصية التي أحاورها، فمثلا عندما أتحدث مع أخواتي البنات أتحدث أقلب حرف القاف همزة، بخلاف حديثي مع أصدقائي بخشونة، في حين أن الشخصيات الرسمية أتحدث معها باللغة الفصحى المعتدلة".

وأضاف سلفيتي: "نحن في قطاع غزة لا يمكن أن نحتكم للهجة معينة، ذلك لأننا مهجّرون من بلداتنا الأصلية ونعيش في بقعة صغيرة تتداخل فيها اللهجات والعادات والتقاليد، فلم يعد ظاهرا ما يميز الفلاحي عن المدني سوى في بعض التفاصيل التي تبرز في المناسبات، وهناك من تغاضى عنها، مرجعًا السبب إلى تطور العالم ورقيّه".

الانفتاح

في حين قال خالد الحلبي الأستاذ في كلية الإعلام بجامعة الأقصى إن "توجه الشباب للحديث بلهجات مختلفة هو محاولة منهم للظهور بمظهر راقٍ، اقتداءً بالمسلسلات التركية التي يتم دبلجتها باللهجة السورية، حيث يحاول الكثير منهم استخدامها أثناء حديثه أو على الأقل في بعض الكلمات".

وأرجع ذلك إلى "الفراغ النفسي، والشعور بالنقص الذي يحاول الشباب، ذكورا وإناثا، إكماله من خلال التحدث بلهجات مختلفة ليبدو من طبقات اجتماعية راقية".

الرأي ذاته تتبناه "وردة الزبدة"، إذ قالت: "الانفتاح على العالم وتمازج الثقافات جعل الشباب يغفلون عن لهجاتهم الأصلية في بعض الحالات، كالطلبة في الجامعات، نجدهم يتأثرون بلهجات أصدقائهم، كذلك الفتيات منهن من إذا تزوجت تتأثر بلهجة زوجها وذويه".