فلسطين أون لاين

​في يومهم العالمي.. ذوو الإعاقة ينشدون أبسط الحقوق

...
غزة - مريم الشوبكي

الإعاقة الجسدية لم تكن يوما عائقا أمام الإرادة والنجاح والإبداع، ولطالما قيل إن المعاق هو معاق الفكر وليس الجسد، والكثير من النماذج تثبت صحة هذه المقولة، فكثير من ذوي الإعاقة حققوا نجاحات كبيرة في مجالات شتى، وفي غزة، رغم التحديات الكبرى، نجد كثيرا ممن تحدوا إعاقاتهم، وبرعوا في الرياضة والتعليم ومجالات أخرى، وتمكنوا من إيصال صوتهم للعالم ليثبتوا أن الإعاقة ليست معيقا أمام الحياة.

يوم أمس، الثالث من ديسمبر، كان "اليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة"، والذي يحتفل به العالم سنويا منذ عام 1992، وقد خصصت الأمم المتحدة هذا اليوم بهدف زيادة الوعي لدى العامة بقضايا الإعاقة، والمناداة بمنح من لديهم إعاقات حقوقهم بمشاركتهم الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية.

في يومهم العالمي، تحدّثت "فلسطين" مع عدد ممن تحدوا إعاقاتهم ومارسوا حياتهم رغم التحديات التي لا حصر لها..

منصات التواصل

منصات مواقع التواصل الاجتماعي تُعد منبرا لمن يرغب بالتعبير عن قضية ما، وسرعان ما يجد لها صدى، خاصة إذا كانت مؤثرة، هذا ما فعلته "مريم شقورة" التي تعاني من إعاقة حركية نتيجة إصابة تعرضت لها عام 2001.

تدرس شقورة (21 عامًا) تخصص الصحافة والإعلام في الجامعة الإسلامية، وفي بداية دخولها هذا المجال كانت تبحث عمّن يمنحها الثقة لكي تثبت نفسها، وأثناء بحثها تساءلت: "لماذا لا أكون أنا هذا الشخص وأكون قدوة لغيري؟".

قالت شقورة لـ"فلسطين": "منذ عام تقريبا كثفت نشاطي على (انستجرام) و(فيس بوك)، ونشرت مقاطع فيديو قصيرة تتحدث عن الأشخاص ذوي الاعاقة، لتصحيح بعض المصطلحات الشائعة المغلوطة عنهم، ولتوضيح الصورة للناس بأن ذوي الإعاقة قادرون على الإنجاز والمشاركة الفاعلة داخل المجتمع".

وأضافت: "الشخص الذي يعاني من إعاقة هو الممثل الوحيد عن نفسه، عليه ألا ينتظر أي أحد ليتحدث بالنيابة عنه، لأنه أفضل من يمكنه توصيل الصورة الصحيحة عن ذوي الإعاقة".

وعن الصعوبات التي واجهتها خلال حياتها بسبب الإعاقة، بينت أن العائق الأبرز هو عدم مواءمة الأماكن العامة والخاصة للأشخاص ذوي، ما يمنعها من المشاركة في العديد من اللقاءات والندوات، بالإضافة إلى التناقضات التي كانت تدور بينها وبين نفسها في بداية مشوارها الإعلامي.

ووصفت يوم المعاق العالمي بأنه "يوم مهم لذوي الإعاقة ليثبتوا أنفسهم ويبرزوا للعالم حقوقهم وإنجازاتهم".

وشكت شقورة من "الواقع الصعب الذي يحياه من يعانون من إعاقات في قطاع غزة، حيث لا مؤسسات تهتم بهم أو تقدم لهم خدمات جيدة، فهذه الفئة تعاني من تهميش كبير".

إنجازات رياضية

والرياضة من الأبواب التي طرقها ذوو الإعاقة، ومنهم من ترك بصمة في رياضات شتى. لاعب كرة السلة رشاد الجماصي حصل العام الماضي على لقب "هدّاف الرميات الثلاثية"، وهذا العام حافظ على نفس المستوى بواقع 12 ضربة مع استمرار الدوري.

تحدث الجماصي (31 عاما) لـ"فلسطين": " كنت رياضيا أمارس رياضات مختلفة، وفي الحرب الأولى تعرضت لإصابة جعلتني قعيدا على كرسي متحرك بعد رحلة علاج استمرت ثلاث سنوات، وفي عام 2011 عدت لممارسة السباحة، فحصدت الميدالية الذهبية، كما مارست رياضة كرة الطائرة، وبعدها كرة السلة".

وأوضح: "منذ عامين ونصف احترفت كرة السلة للكراسي المتحركة، حيث وجدتها أكثر الرياضات الفعالة، ولعبت في نادي السلام لذوي الإعاقة، والعام الماضي حصدت المركز الثاني في بطولة كرة السلة، وعلى لقب هداف البطولة للرميات الثلاثية، وهذا العام حافظت على نفس المستوى".

وأكد الجماصي أن الإعاقة لم تمنعه من الاحتكاك مع الناس، بل كانت كرة السلة وسيلة لزيادة معارفه من الرياضيين من ذوي الإعاقة.

وعما يمثله اليوم العالمي للمعاق للجماصي، قال: "اتفقت مع عدد من زملائي على مقاطعة الاحتفال بهذا اليوم، هناك عشرات المؤسسات التي تُعنى بذوي الإعاقة، ولا تتحرك طوال العام، ونكاد لا نسمع صوتها إلا في هذا اليوم، بينما ما يحتاجه ذوو الإعاقة يتطلب جهودا على مدار العام، حيث إن الأماكن في غزة غير موائمة لنا".

وأضاف: "من الجيد في هذا اليوم أن يكون هناك تمثيل لذوي الإعاقة وإيصال صوتهم".

ودعا الجماصي ذوي الإعاقة إلى ممارسة الرياضة لأنها السبيل إلى الحياة، ومن خلالها يوصلون صوتهم للعالم بأن في غزة أشخاصًا لم يستكينوا، وبقوة إرادتهم يحققون إنجازات لوطنهم، وعلى الصعيد الشخصي يكونون فاعلين في المجتمع ويقودون أنفسهم للخروج من قوقعة الإصابة.

وأشار إلى أن ما ينقص الرياضيين من ذوي الإعاقة غياب الدعم، ما يعيقهم عن تمثيل فلسطين في المسابقات الدولية.

مجتمع مرن

ومن الأشخاص الذين كانوا صوتًا لمن يعانون من إعاقة في غزة، الإعلامي أسامة أبو سفر، الذي يعاني من إعاقة حركية، وهو مذيع في إذاعة فرسان الإرادة، يتيح لذوي الإعاقة بث شكواهم عبر الإذاعة في محاولة لإيجاد حلول لها.

قال أبو سفر (35 عاما): "أي صحفي من ذوي الإعاقة عليه أن يكون مؤمنا بتحييد الإعاقة عن البعد الإنساني، لأن لهذه الفئة حقوقا كفلها القانون الفلسطيني وكافة القوانين والأعراف الدولية".

وأضاف لـ"فلسطين": "في العالم تتم توعية المجتمعات بواقع ذوي الإعاقة، ولكننا نحتاج ما هو أبعد من ذلك، فنحن بحاجة لمجتمع مرن يستوعب من يعانون من إعاقات، وعلى السلطة الفلسطينية أن تحقق جزءًا من الالتزام الدولي الواجب عليها".

وتابع: "ذوو الإعاقة يحتاجون إلى العدل فيما يتعلق بدمج المعاقين في المجتمع وتوفير وظائف لهم، وتهيئة المدارس ومختلف المؤسسات مع ما يتناسب مع احتياجاتهم، وتوفير الأدوات والإمكانات الصحية، وتذليل العقبات أمامهم ليصلوا إلى كافة مناحي الحياة، وهذه هي مهمة الجهات الحكومية".

وختم حديثه بالقول: "العالم يحتفل بما حققه، وما وصل إليه بالأشخاص من ذوي الإعاقة، ونحن لدينا إبداع وتفوق رغم التحديات والعقبات، ولكن ما تزال أوضاع هذه الفئة المهمة كارثية".