صادقت حكومة الاحتلال الإسرائيلية، أمس، على خط سير الرحالة المشاة ومسار سياحي داخل الأراضي المحتلة عام 48، وذلك للمرة الأولى منذ احتلالها، بحيث سيمر في أراضي الضفة والجولان السوري المحتلتين.
وتأتي مصادقة حكومة الاحتلال، على خط سير الرحالة بطلب من وزير السياحة يريف لفين، الذي صادق على مسار الخط ليمر أيضًا من الضفة المحتلة.
وبعد موافقة حكومة الاحتلال على التمويل المالي، سيتعين على لجنة مؤلفة من عدد من الوزراء تقديم المقترحات للمشروع الذي تبلغ ميزانيته 10 ملايين شيكل.
وذكرت وسائل إعلامية عبرية، أن تغيير المسار يحمل أبعادًا سياسية مهمة من بينها إعادة ترسيم حدود (إسرائيل) لتشمل الضفة المحتلة.
وتسعى حكومة الاحتلال منذ عقود إلى جذب السياح الأجانب إلى الضفة عبر "وضع اليد" على مواقع أثرية عربية وإسلامية وتهويدها والترويج بأنها "تراث يهودي".
ورحب رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، بالمشروع الذي اعتبره "أساسيا لتعزيز السياحة"، فيما ذكر وزير السياحة أن "المسار الجديد سيعبر مدينة القدس القديمة، وأماكن حافلة بالتاريخ اليهودي"، حسب زعمه.
تجدر الإشارة إلى أن (إسرائيل) احتلت كامل القدس والضفة المحتلتين، و1200 كلم مربع من هضبة الجولان السورية، خلال حرب الأيام الستة في حزيران/ يونيو 1967، دون أن يعترف المجتمع الدولي بذلك.
رسم الحدود
وأكد المختص في شؤون الاستيطان، عبد الهادي حنتش، أن الاحتلال يسعى من خلال هذا المسار، رسم حدود ما تُسمى "دولة إسرائيل"، بمعنى إلغاء أي وجود فلسطيني والقضاء على حلم قيام الدولة الفلسطينية.
وعد حنتش في حديثه لـ "فلسطين"، المشروع "سياسياً بالدرجة الأولى"، ويهدف إلى تهويد الأراضي الفلسطينية، تحت غطاء تطوير القطاع السياحي وتجديده.
وحول مدى إمكانية تطبيق المشروع فعلياً على أرض الواقع، لم يستبعد حنتش تمرير هذا المشروع، وتنفيذه بدعم حكومة الاحتلال كما المشاريع السابقة، متوقعاً فرض قانون إسرائيلي على الضفة كالقوانين الإسرائيلية.
وبيّن أن شكل المشروع سيكون عبارة عن نقاط تقوم سلطات الاحتلال بوضع اليد عليها، ومن ثم حراستها وتأمينها للمستوطنين والسياح الأجانب، مثل الحرم الإبراهيمي وقبر النبي يوسف، وبعض المواقع الأثرية الأخرى، عادًا إياه "جزءاً من مخططات الاحتلال لتهويد الضفة".
وأشار إلى أن المشروع يهدف إلى تعيين عدة نقاط أثرية ودينية، ستقوم سلطات الاحتلال بإضفاء الشرعية عليها واعتبارها جزءًا من "التراث اليهودي"، مشيراً في الوقت ذاته إلى أنهم يسعون من خلاله لجلب الأموال والربح للحكومة.
وانتقد المختص في شؤون الاستيطان، دور الدول الأوروبية والعربية في الضغط على الاحتلال، للتراجع عن سياساته، قائلاً: "من الواضح أن الاحتلال مدعوم من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وهو لا يلتزم بالقانون الدولي".
تزوير الحقائق
من جانبه، اعتبر المختص في شؤون الاستيطان سهيل خليلية، تنفيذ مشروع المسار "محاولة لتزوير الحقائق وبثها على الساحة الدولية"، لافتاً إلى أنه يتضمن أهدافاً سياحية وسياسية في آن واحد.
وقال خليلية لصحيفة "فلسطين": إن "الاحتلال يحاول ربط المعالم الأثرية ووضعها تحت سيطرتها، من خلال إضفاء الشرعية لاحتلاله لهذه المناطق".
ونبّه إلى أن الاحتلال يستغل السياحة كإحدى الأدوات المهمة لتحقيق أهدافه السياسية في رسم حدود ما تسمى "دولة اسرائيل" وإضفاء "التراث اليهودي" على المواقع الاثرية الفلسطينية.
وأوضح أن خطورة الموضوع تكمن في أن المسار معروف لدى العالم الخارجي "لذلك سينظر الأخير على أنه تطوير شرعي وطبيعي، لكنه لا يدرك طبيعة الأهداف السياسية التي يريد الاحتلال تحقيقها"، وفق قوله.
وبيّن خليلية أن الاحتلال يحاول فرض وقائع جديدة على الأرض، لضمان عدم مجابهة هذه المخططات مستقبلاً، واصفاً إياه بالتصرف "الخبيث وتصويغ الأمور وفق رؤيته الاحتلال".
خطوة خطيرة
من جهتها، أدانت وزارة الخارجية، مصادقة حكومة الاحتلال على تنفيذ مشروع المسار في الضفة والجولان.
واعتبرت الوزارة، في بيان، أمس، هذه الخطوة "التهويدية الخطيرة"، بأنها تقع في إطار محاولات اليمين الحاكم في (إسرائيل) والمستوطنين لفرض السيادة الإسرائيلية والقانون الاسرائيلي على الضفة المحتلة، بما فيها القدس المحتلة.
وبحسب الوزارة، فإن الاحتلال يسعى لتكريس الاستيطان بأشكال مختلفة، من أجل عدم إتاحة الفرصة لوجود دولة فلسطينية قابلة للحياة وذات سيادة، وينسجم مع سياسات اليمين المتطرف وأيديولوجيته الهادفة إلى التعامل مع القضية الفلسطينية كقضية سكانية فقط، بعيداً عن أية حقوق وطنية وسياسية.
واعتبرت أن تخلي المجتمع الدولي عن مسؤولياته تجاه الحالة في فلسطين بلغ حد التواطؤ العلني والتساوق مع انتهاكات الاحتلال الجسيمة للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.
مخالف للقانون
وفي السياق، أكد خبير القانون الدولي، د. حنا عيسى، أن مصادقة حكومة الاحتلال على المسار السياحي بين الضفة والجولان السوري، مخالفة جسيمة لقواعد القانون الدولي، وقرارات مجلس الأمن الدولي وخاصة قرار 242 لسنة 1967م، والقرار 338 لسنة 1973، القرار 478 لسنة 1980م، القرار 497 لسنة 1981م.
وأوضح عيسى، في بيان، أمس، أنه "كون الأراضي الفلسطينية هي أرض محتلة, و(إسرائيل) دولة احتلال فإنها ملزمة بتطبيق مبادئ القانون الدولي الإنساني لدى إدارتها الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأن تخضع الضفة وشرقي القدس وقطاع غزة لقانون لاهاي لعام 1907م واتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين وقت الحرب لعام 1949 والبروتوكول الاضافي الأول لعام 1977 والقرارات الدولية الصادرة عن المؤسسات الدولية وخاصة الأمم المتحدة والصليب الأحمر".
وأشار إلى أن الكنيست الإسرائيلي أقر بتاريخ 14/12/1981 قانون تطبيق القانون الإسرائيلي على الجولان المحتل، واعتبار سكانه "مواطنين إسرائيليين"، وسمي القانون آنذاك بقانون الجولان، وهو الأمر الذي رفضته الأمم المتحدة، واعتبرته قانونا غير شرعي وأصدرت قرارا رقم 497 بتاريخ 17/12/1981 والذي يدين تطبيق القوانين الإسرائيلية على الجولان المحتل ويعتبر القرار الإسرائيلي لاغيًا.
وشدد عيسى على ضرورة التزام (إسرائيل) بقرارات الشرعية الدولية وخاصة قرار مجلس الأمن 242 و 338, اللذين يطالبان بسحب القوات الإسرائيلية من جميع الأراضي العربية المحتلة التي احتلتها في حرب حزيران 1967.