وجود الوالدين على قيد الحياة يعني أن باب الجنة مفتوحٌ أمامك وباب الدعاء كذلك، ورحيلهما يعني انغلاق هذين البابين، فما بال العاق يكتب نهايته في حياته ليكون مصيره النار، فكما هو معلوم أن الله عز وجل يعد العقوق من الكبائر.
أصبحنا نسمع عن قصص عقوقٍ يشيب لها الولدان.. فكيف يحكم الشرع في حق الولد العاق الذي قد يتخلى عن أحد والديه بطريقةٍ مؤلمة؛ وهل هناك حالات استثنائية تُبيح أن يودع الرجل أحد والديه في دار رعاية المسنين وماهي شروط ذلك؟.. التقرير التالي يجيب عن هذه الأسئلة.
لا يشم رائحة الجنة
يقول الأستاذ المساعد في كلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية د. عاطف أبو هربيد لمراسلة "فلسطين": "أكثر من موضع في القرآن والسنة دل على عظيم حق الوالدين، يقول تعالى: "وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا".
وأضاف أبو هربيد: "الآية الكريمة ربطت بين عبادة الله وبر الوالدين، ونهيه عز وجل عن إيذائهما، فإذا كان الله نهى عن التأفف وهو نوع من الضجر، أمام أم حملت ابنها تسعة أشهر وأرضعته وسهرت عليه ليلاً وقامت على رعايته، وبذلت كل شيء لسعادته لينمو أمام عينها؛ لذا كانت الجنة بحق تحت أقدام الأمهات؛ فالأحرى بنا أن نتقي الله في هذا".
وتابع :"لو نظر الابن إلى ما يقوم به الأب والأم من تضحية لكان الأَوَلى أن يقابل الإحسان بالإحسان، ولو كان أحدهما جاحداً؛ فوجود أبويه على قيد الحياة يعني أن باب الجنة مفتوح ولو مات أحدهما فهذا يعني أن باب من أبواب الجنة قد أغلق وكذلك باب دعاء هذا الأب أو الأم أغلق".
وشدد أبو هربيد على أن العاق مآله النار ولا يشم رائحة الجنة، وقد سمى النبي العقوق من الموبقات السبع ومن الكبائر، منوهاً إلى أن العقوق أدناه ليس مجرد قول التأفف ولكن مجرد أن ينظر لأبنائه نظرة احتقار وازدراء.
الأيام دول
وأشار إلى أن الأيام دول، وكما تدين تدان، اليوم ابن يتعالى على أبويه، وغداً سيصبح أبا ويتعالى عليه أبناؤه، الفرق بين المسلمين وبين العالم الغربي أن الأم هي "ست الكل" والكل يتمنى رضاها والقلة هم من يتخلون عن أمهاتهم، ولكن الغرب لا يضرهم ولا يؤنبهم ضميرهم إذا وضعوا الأم في دار المسنين ولأن المعاني الإنسانية ماتت عندهم.
ونوه أبو هربيد إلى أن الشخص لا ينبغي أن ينقاد وراء زوجته ليتخلص من أمه، فلو لم تتقي الله بأم زوجها لن يتقِ الله بها أبناؤها.
وقال متسائلاً :" كيف يمكن له أن يستشعر ثقل أمه وهي لم تشعر بثقل طلباته منها يوماً، كيف يكون ناكراً للجميل ويتجرأ على العقوق، فيتركها فريسة للضياع أو بلا مأوى كما نسمع أحياناً من قصص".
ولدى سؤاله عن الحال التي يمكن للأبناء فيها أن يودعوا والديهم في دار المسنين وشروط ذلك، أجاب أبو هربيد:"هناك حالات معينة نادرة واستثنائية، بأن يكون أحد الوالدين بلغ به المرض أشده ولا يوجد من يرعاهم ولا قدرة مالية لجلب ممرضة لرعايتها، أو أن يكون فاقدا للذاكرة ويخشى عليه الخروج من المنزل، ويحتاج إلى رعايةٍ طبية متواصلة؛ حينها لا بأس أن يدفع به إلى دار المسنين".
ونبه إلى ضرورة أن يتواصل الابن مع أمه أو أبيه الذي أودعه في دار رعاية المسنين باستمرار حتى لو كان لا يعرفه.
وحول حكم الشرع قال: إن العقوق عقوبته النار، لا يدخل الجنة عاق وبينه وبينها مسيرة خمسمائة عام، خاصة عقوق الأمهات عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جاء رجلٌ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال : يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟، قال: (أمك) ، قال: ثم من؟ قال: (أمك) ، قال: ثم من؟ قال: (أمك) ، قال: ثم من؟ قال: (أبوك) متفق عليه .