على هامش حوار الفصائل الفلسطينية الذي سيعقد في القاهرة، ويُفترض فيه أن يضع الآليات العملية لتطبيق اتفاق القاهرة 2011، الخاص بإنهاء الانقسام، وتحقيق المصالحة الوطنية، فإن من الأهمية بمكان أن يُدرج على أجندة الحوار بند لتقييم سياسة مرحلة الرهانات على التأييد الأمريكي- الإسرائيلي اللفظي لـ«إقامة دولة فلسطينية»، كسياسة ثبت عقمها، وفقاً لتجربة 25 عاماً من مفاوضات «مدريد أوسلو».
أما المسار الدبلوماسي المتمثل في التوجه لهيئة الأمم لمواجهة صلف (إسرائيل)، فقد ثبت أنه، على أهميته، لا ينهي احتلالاً، ولا يوقف استيطاناً، أو تهويداً، أو عدواناً، عدا أن حكومة (إسرائيل) تعيش، في الآونة الأخيرة، حالة هستيريا سياسية، دفعتها لرفع منسوب هجومها السياسي، وتصعيدها الميداني ضد كل ما هو فلسطيني.
لقد لخص طبيعة هذه الحكومة وبرنامجها وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري، الذي أدار آخر جولات المفاوضات لتحقيق «حل الدولتين»، حيث قال: «ليس ثمة في (إسرائيل) مسؤول واحد يريد السلام»، وأضاف: «بينما وافق الفلسطينيون على فكرتنا حول تواجد قوات أمريكية على الحدود الفلسطينية - الأردنية، فقد رفض الإسرائيليون مجرد نقاش الفكرة».
لا عجب؛ فناظم برنامج حزب الليكود بقيادة نتنياهو الذي يقود حكومات (إسرائيل) للمرة الثالثة، على التوالي، وللمرة الرابعة، عموماً، هو: (سلطة واحدة ما بين النهر والبحر).
وأكثر، ليس لأحد أن يستبعد قيام حكومة الاحتلال بشن عدوان عسكري جديد في المنطقة، وثمة مؤشرات ترجح احتمال أن يكون قطاع غزة هو المستهدف.
فما إن لاحت فرصة جدية لتطبيق بنود اتفاق «المصالحة الفلسطينية»، برعاية مصرية، حتى أعلنت (إسرائيل) شروطاً تحقق لها أهدافاً سياسية لم تستطع تحقيقها من خلال عشر سنوات من الحصار الخانق، وثلاث حروب للإبادة والتدمير الشامل، على قطاع غزة، أي أهداف تفكيك البنية العسكرية لفصائل المقاومة في قطاع غزة والضفة، وانتزاع اعتراف فصائلي فلسطيني شامل بـ(إسرائيل)، وتحصيل إجماع فلسطيني على «أوسلو»، مفاوضات وشروط والتزامات سياسية وأمنية واقتصادية.
وعندما رفضت الفصائل الفلسطينية شروط حكومة نتنياهو لجأت الأخيرة إلى التصعيد الميداني.
ففي 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أي يوم قبل تسليم حماس إدارة معابر القطاع لحكومة التوافق، وقعت محاولة الاغتيال الفاشلة لمسؤول الأجهزة الأمنية في القطاع، اللواء توفيق أبو نعيم.
وبعد أربعة أيام قصفت طائرات الاحتلال نفقاً، ما أسفر عن استشهاد 12 مقاوماً فلسطينياً، تم احتجاز جثامين خمسة منهم.
وفي الأسبوع الماضي حشدت (إسرائيل) على طول الحدود مع قطاع غزة، قواتها، بضمنها ألوية من قوات النخبة، وأرتال من الدبابات والمدرعات والحفارات والجرافات العسكرية الضخمة.
إن تصعيد الاحتلال، السياسي والميداني، ضد قطاع غزة، هو بقدر ما تحركه دوافع إحباط جهود إنهاء الانقسام الفلسطيني، فإنه لا ينفصل عن التصعيد السياسي والميداني الشامل ضد كل تجمعات الشعب الفلسطيني في الوطن.
فمن السعي المحموم لحسم مصير القدس، عبر تسريع عمليات استيطانها وتهويدها، وضم بعض مستوطنات الضفة إليها، وتوسيع مساحتها، (تنفيذاً لمخطط القدس الكبرى)، بحيث تمتد من مستوطنة «كفار عتصيون» في الخليل جنوباً إلى مستوطنة «جفعات زئيف» في رام الله شمالاً، علماً بأن مساحتها الآن تشكل 17% من مساحة الضفة، بينما كانت 3% عشية عدوان 67، إلى تنفيذ أكبر عملية استيطان في الضفة، مع التركيز على التهام منطقة الأغوار، (27% من مساحة الضفة)، وعلى إتمام الضم الواقعي لمناطق «ج»، (60% من مساحة الضفة)، إلى السعي لاستكمال تهويد النقب بخطة برافر كخطة أخرى للتطهير العرقي، وممارسة التمييز العنصري بحق فلسطينيي «مناطق 48» الذين باتوا يشكلون 18% من السكان، بينما لا يحوزون سوى 4% من الأرض و2% من المياه و3% من الجامعات.
الشعب الفلسطيني لا يزال في مرحلة تحرر وطني، ويواجه احتلالاً عنصرياً اقتلاعياً ابتلاعياً، ما زال التطهير العرقي المُخطط بنداً في برنامجه، ولا يزال هدف (إسرائيل) «دولة لليهود» محركاً لسياساته وإجراءاته، وما برح وهْم فرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني حلماً من أحلام قادته.