فلسطين أون لاين

منخفض الشتاء يكشف أزمة الأسعار في غزة

...
شح شديد وغلاء فاحش في أسعار ملابس الشتاء في غزة
غزة/ مريم الشوبكي

مع بداية المنخفض الجوي الذي ضرب قطاع غزة، ظهرت كميات محدودة من الملابس الشتوية في الأسواق، لكنها لم تُحدث أي انفراج اقتصادي أو اجتماعي؛ إذ جاءت بأسعار مرتفعة تفوق قدرة آلاف العائلات على الشراء.

وبينما تتكدس البضائع القليلة في واجهات المحال، يكتفي الكثيرون بالنظر إليها دون الاقتراب، قبل أن يتجهوا مباشرة إلى أسواق "البالة" بحثًا عن قطعة تُدفئ أطفالهم بأقل ثمن ممكن.

كميات قليلة

في سوق الصحابة بحي الدرج شرق غزة، يقف التاجر وائل أبو زيد أمام مجموعة من الجواكيت التي وصلت حديثًا. يلمس القماش بيده بينما يروي سبب ارتفاع الأسعار: "اللي دخل من الملابس قليل جدًا، شحنة أو شحنتين بالكثير. والبضاعة نفسها كانت غالية من المصدر، ولما قلت الكميات ارتفعت الأسعار أكثر. الجاكيت اللي كان ينباع بـ35 شيقلاً قبل الحرب، اليوم ما بنقدر نبيعه بأقل من 70 أو 80 شيقلاً".

ويضيف أبو زيد لـ"فلسطين أون لاين": "الناس مش قادرة تشتري، وأنا مش قادر أنزل السعر أكثر، والله الخسارة علينا وعليهم".

أما التاجر محمد شريم، صاحب بسطة ملابس أطفال يؤكد الأمر ذاته: "دخلت ملابس شتوية، صحيح… بس الكميات محدودة جدًا. يعني كل محل إله كم كرتونة، مش زي قبل. والطلب كبير لأن الناس بدها تدفّي ولادها، بس ما في قدرة شرائية، فبتصير القطعة غالية من غير ما نربح كثير".

أسواق بلا حركة

الشارع التجاري في سوق عمر المختار بدا شبه خالٍ رغم موجة البرد. معظم الزوار يدخلون المحلات ويسألون عن الأسعار دون شراء.
يقول التاجر أحمد المصري: "السوق ضعيف، تأتي الناس لرؤية الملابس والسؤال عن سعرها، ومن ثم تمشي. قبل الحرب كنت أبيع 40–50 قطعة باليوم، اليوم أبيع خمس قطع بالكثير هذا إذا كان في حركة أصلًا".

ويتابع وهو يشير إلى رفوف مليئة بالمعاطف: "حتى لو نزلت السعر، الزبون ما يملك المال، القدرة الشرائية معدومة."

بين الغلاء والحاجة

المواطن أبو رائد موسى جاء للسوق بحثًا عن معطف لطفلته ذات العامين، لكنه خرج خالي اليدين: "معطف بـ100 شيقلاً؟ مستحيل. قبل الحرب كان بـ30 شيقلاً، بالكاد أستطيع إطعام أولادي، كيف أشتري ملابس جديدة؟ أذهب لبسطات ومحلات البالة، أبحث عن قطعة بخمسة أو عشرة شواقل، المهم أن تحمي البنت من البرد".

أما أم عبد الرحمن الشغنوبي، وهي نازحة في خيمة في مدرسة الجرجاوي، فتشير إلى أن شراء الملابس الجديدة أصبح ضربًا من المستحيل: "نذهب للتسوق أسأل عن الأسعار أعود أدراجي خالية الوفاض، لا أستطيع الشراء، إذا كان الحذاء لطفلة عمرها سنة بـ50 شيقلاً، وكان قبل الحرب بـ20 شيقلاً، كيف بدنا نشتري جاكيتات؟"

هذا الشتاء ليس مجرد فصل، بل امتداد للأزمة الإنسانية التي أدت إلى انكماش الاقتصاد الفلسطيني بنسبة 28% في 2024، مع توقعات بانخفاض إضافي بنسبة 7% في 2025، وفقدان الدخل الحقيقي بنسبة 61% بسبب البطالة التي بلغت 80% في غزة.

رغم وقف إطلاق النار في أكتوبر، الذي أدى إلى انخفاض مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 17.08% في فلسطين ككل، إلا أن غزة شهدت تضخمًا هائلًا يصل إلى 78% في أغسطس، وتضاعفًا في أسعار السلع الأساسية مثل الملابس الشتوية والشوادر بنسبة 150-300%، حيث يصل سعر البطانية الواحدة إلى 65 دولارًا، وجاكيت الطفل إلى 120-300 شيقلاً، في وقت يعتمد فيه 80% من السكان على مساعدات غير كافية، ويصل معدل الفقر إلى 53%.

البالة الأكثر ازدحامًا

على النقيض، فإن أسواق المستعمل تشهد حركة نشطة منذ بداية البرد. يقول صاحب محل البالة محمود أكريم: "البالة صارت ملجأ للناس، هناك زبائن لم تفكر في دخول البالة نهائيًا، اليوم تشتري لأطفالها ولها، حتى البالة أسعارها ارتفعت قليلاً لأن الطلب زاد عليها".

ويتابع أكريم لـ"فلسطين أون لاين": "أغلب الناس يبحثون عن القطع الأرخص، خمسة أو سبعة شواقل، عن بالكثير 15 شيقلاً للجاكيت، الكل يريد تدفئة أولاده، ولا يوجد خيارات."

الشوادر ملاذ النازحين

ومع هبوب المنخفض، قفزت أسعار الشوادر أيضًا، إذ ارتفع سعر الشادر الذي كان يباع قبل أيام بـ100–120 شيقلاً إلى 150 شيقلاً.

يقول التاجر حسام أبو موسى: "أول ما سمعوا إنه في منخفض، الناس هرعت لشراء الشوادر لحماية الخيم من تسرب مياه المنخفض، المعروض قليل، لذا ارتفع السعر فورًا. هناك أناس اشترت الشادر مرغمة، لأن الخيمة إذا غرقت لا أحد يستطيع النوم".

المواطن جمال السوسي، الذي يسكن خيمة مع سبعة من أفراد عائلته، يقول: "كنت بحاجة ثلاثة شوادر، وما استطعت شراء شادر واحد فقط بـ150 شيقلاً، غطّيت فيه الجزء الذي ينام فيه الأطفال، والباقي تركته للبرد والمطر".

هذه الشهادات تعكس التناقض الاقتصادي: دخول 250,000 خيمة وبطانية عبر القطاع الخاص منذ أكتوبر، لكن الرفض الإسرائيلي لـ45% من طلبات الواردات، بما في ذلك الملابس الشتوية، يدفع الأسعار إلى الارتفاع، مما يجعل حتى البطانيات الرفيعة (1.5-2 كيلو) بـ27 دولارًا، والسميكة (3.5-5 كيلو) بـ65 دولارًا، غير ميسورة لأسر تعتمد على دخل يومي لا يتجاوز 20-30 شيقلاً.

يبدو أن دخول كميات قليلة من الملابس الشتوية لم يكن كافيًا لإحداث أي تحسن، بل زاد من شعور العائلات بالعجز أمام الغلاء.

ومع اشتداد المنخفضات القادمة، يستعد الغزيون لشتاء طويل يحاولون مواجهته بما هو متاح: قطعة مستعملة من البالة، شادر باهظ الثمن، أو طبقات من الملابس الخفيفة التي لا تقي من البرد.

المصدر / فلسطين أون لاين