أمام مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر غربي مدينة غزة، تجتمع عائلات الأسرى والشهداء أسبوعًا بعد آخر، حاملين صور أحبتهم وصرخات قلوبهم، في اعتصام بات رمزًا لإصرارهم على كشف الحقيقة واستعادة الجثامين، وإنهاء معاناة الأسرى الذين يواجهون مصيرًا غامضًا داخل السجون.
وشارك في الاعتصام عدد من الأسرى المحررين، إلى جانب أهالي الأسرى القابعين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، إضافة إلى عائلات الشهداء الذين تحتجز سلطات الاحتلال جثامينهم منذ شهور طويلة دون تسليمها.
ورفع المشاركون أعلام فلسطين، ولافتات تطالب بإنهاء ملف الأسرى والإفراج عنهم، إلى جانب دعوات اللجنة الدولية للصليب الأحمر والمؤسسات الدولية والإنسانية للتدخل العاجل من أجل وقف ما وصفوه بـ"تغوّل الاحتلال على حياة الأسرى"، واستعادة الجثامين المحتجزة ودفنها وفق أحكام الشريعة الإسلامية.
واعتبر الأهالي أن استمرار احتجاز الجثامين يشكّل انتهاكًا صارخًا لكل القوانين الدولية والأعراف الإنسانية.
لحظة وداع
وقالت ياسمـين البرش، زوجة الطبيب الشهيد عدنان البرش، اختصاصي العظام، الذي أعدمه جيش الاحتلال بعد اعتقاله من داخل مستشفى العودة شمالي قطاع غزة، إن الوقفة ليست مجرد اعتصام، بل هي صوت كل عائلة تبحث عن ابنها بين المفقودين والشهداء.
وأضافت البرش، في كلمة ألقتها بالإنابة عن أهالي الأسرى: "نقف أمام مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر لنذكر العالم بأن الاحتلال يتعمد قتل الأسرى وإخفاء جثامينهم، ويمنعنا حتى من لحظة الوداع الأخيرة".

وطالبت باستعادة جثامين جميع الشهداء والأسرى الذين أُعدموا أو قُتلوا داخل السجون.
وأشارت ياسمين إلى ما وصفته بصمت المؤسسات الدولية، وفي مقدمتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي يُفترض أن تكون جهة الحماية والرقابة على حقوق الأسرى.
وأضافت أن الاحتلال أعاد جثامين قتلاه وعددًا من مفقوديه من غزة، في حين لا يزال يحتجز جثامين الفلسطينيين منذ شهور دون أي توضيح أو استجابة.
وتابعت بحزن شديد: "نبحث بين الجثامين التي سلمها الاحتلال في ثلاجات المستشفيات، نقلّب الوجوه واحدًا واحدًا لعلّنا نعثر على أحبتنا. لقد بحثت عن زوجي الطبيب عدنان بين الشهداء، قلبت الأغطية أملًا في العثور على وجهه، لكنني لم أجده حتى الآن".
وأكدت أن "عدنان" لم يكن رقمًا، بل كان أبًا وإنسانًا وطبيبًا يخدم مجتمعه، معتبرة أن اعتقاله وقتله ثم إخفاء جثمانه جريمة مزدوجة يجب أن يُحاسَب الاحتلال عليها، وطالبت الوسطاء ورعاة الاتفاقيات الدولية بالضغط من أجل استعادة جميع الجثامين المحتجزة.
قضية لن تموت
وفي كلمة ممثلي الوجهاء والمخاتير والأعيان في قطاع غزة، شدد المختار حسن ماضي على أن الوقوف إلى جانب الأسرى واجب وطني وأخلاقي.
وقال ماضي: إن الأسرى الفلسطينيين يتعرضون داخل السجون الإسرائيلية لكل أشكال الظلم، من حرمان وتجويع وتعذيب، وصولًا إلى القتل المتعمد، وهو ما يشكّل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي واتفاقيات جنيف.

وأضاف: "نقف أمام مقر الصليب الأحمر لنكون شهودًا على الإبادة الصامتة التي يتعرض لها أسرانا، لا نعلم شيئًا عن أوضاع أسرى قطاع غزة بشكل خاص، في ظل منع الزيارات والتعتيم الكامل الذي يفرضه الاحتلال على أوضاعهم الصحية والإنسانية".
وأكد أن الوجهاء والأعيان في غزة سيواصلون دعمهم لقضية الأسرى بكل الوسائل الممكنة، مشيرًا إلى أن هذه القضية ستبقى حيّة في ضمير كل فلسطيني حتى تحرير آخر أسير وعودة كل جثمان محتجز.
دعوات دولية
ووجّه المشاركون في الاعتصام نداءً مباشرًا إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، باعتبارها الجهة المخوّلة بمراقبة أوضاع الأسرى، للضغط الحقيقي على سلطات الاحتلال من أجل الكشف عن مصير المفقودين والمغيَّبين قسرًا، والتوقف عن سياسة إخفاء الجثامين واحتجازها كوسيلة ضغط.
كما دعوا الأمم المتحدة ومؤسسات حقوق الإنسان الدولية إلى فتح تحقيق رسمي وشفاف في ظروف استشهاد الأسرى داخل السجون، وفي الانتهاكات التي يتعرضون لها، بما في ذلك التعذيب وسوء المعاملة والإعدام الميداني والحرمان من الرعاية الطبية.
وأكد المشاركون أن ما يتعرض له الأسرى داخل السجون يخالف اتفاقيتي جنيف الأولى والثالثة، ويتناقض مع المبادئ الدولية التي تنظّم معاملة الأسرى والمعتقلين.

كما أدانوا محاولات الاحتلال دفن الجثامين أو إخفاءها، معتبرين ذلك جريمة إنسانية يجب وقفها فورًا.
وفي ختام الاعتصام، شدّد أهالي الأسرى والشهداء على أنهم لن يتوقفوا عن المطالبة باستعادة جثامين أبنائهم وإنهاء هذا الملف بالكامل، مؤكدين أن قضيتهم ليست سياسية فحسب، بل قضية كرامة وإنسانية وحقوق أساسية لا يمكن التنازل عنها.
وأكدوا أن صوتهم سيبقى مرتفعًا في كل الساحات، حتى يعود الأسرى إلى عائلاتهم، ويُدفن الشهداء بكرامة، وتنتهي سياسة احتجاز الجثامين التي تمارسها سلطات الاحتلال.

