فلسطين أون لاين

​الأمل حاضرٌ مع "المؤبدَيْن"

الأسير "إغبارية" يجدد الحلم مع عروس زارته في المنام

...
غزة - ياسمين النعيزي

حين تغادر الآمال أرواحنا تتركنا خلفها كالبيت الخرب الذي بلا قيمة, فالقيمة كلها للأمل, حتى لو كان الإنسان أسيرًا خلف قضبان عدوه؛ فهو يستطيع أن يمارس طقوس أمله, ويمكنه من خلال الأسلاك الشائكة أن ينظر نحو الأفق ليحلم بشروق شمس الحرية.

بعض من حكم عليهم بالبقاء في غياهب سجون الاحتلال الإسرائيلي بمحكوميات عالية سخروا من المحتل، الذي ظن أن تقييد من يقاومونه سوف يؤدي بهم إلى اليأس والقنوط, لم يدرِ ذلك المحتل أن سجنه الضيق أعاد ترتيب مكونات حياتهم، وأنه صاغ لهم بدايات حياة جديدة، وأنهم يمضون أيامهم وهم على يقين بأنهم سيعيشون الأفضل في الأيام القادمة.

من هؤلاء الأسرى أسير محكوم عليه بالسجن مؤبدين، قضى منهما 18 عامًا، ظلّ خلال أيامها المظلمة يرى النور قادمًا من بعيد, حتى تجسد له على هيئة فتاة في حلم وردي رآه في منامه, تلك الفتاة أصبحت بعد أشهر مخطوبته التي يؤكد أنه سيراها واقعًا في وقت قريب.

قبل أيام احتفلت العائلتان بخطبة العروسين، وكان الحفل في إحدى قاعات الأفراح في مدينة جباليا، شمال غزة.

العروس ياسمين الحيرتاني (22 عامًا) من جباليا روت لـ"فلسطين" قصة خطبتها على الأسير عبد الله إغبارية (38 عامًا)، وهو من قرية أم الفحم في الداخل المحتل.

أنا حلمه

تقول ياسمين: "قالوا لي إنه رآني في منامه بكل صفاتي وملامحي, وإن صديقه في الأسر الذي يعرفني جيدًا أخبره أن الفتاة التي رآها اسمها ياسمين, فقد ذكر له كل صفاتي وعرّفه ملامحي, ويقول كل من حول عبد الله إنه بدا مصممًا جدًّا على الارتباط بي".

تضيف: "حين اتصل أهله بعائلتي لطلب يدي له كان معظم أهلي مترددين جدًّا، بل حتى بدا لي رفضهم واضحًا، وخصوصًا أمي التي أخبرتني برفضها صراحة، لكنها أخبرتني أن رأيها لن يؤثر على القرار النهائي، وأنني أنا صاحبة هذا القرار".

كان الوحيد الموافق على ارتباطها دون تردد شقيقها "مروان", وعن تشجيعه لها تقول: "أنا لم أكن مترددة قط بشأن عبد الله، صليت استخارة وتوكلت على الله, وكان مروان أخي وحده من كل العائلة المقتنع بالفكرة كاقتناعي بها تمامًا, حتى إنه ساعدني في إقناع أبي بالموافقة".

بعبارات جياشة تصف ياسمين علاقتها بالأسير عبد الله: "أحببته حتى قبل أن أحادثه, وحين عرفته أحببته أكثر, وأثق أنني سأتوقف عن خيالات القرب يومًا, لأراه أمامي وأوصل إليه كلماتي وهمساتي المسجونة في الطريق الطويلة إليه، فأنا وهو المنقطعان عن الحب يكفينا يقينًا قول الله في كتابه الكريم: (وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ)".

عبد الله هو الفارس الحقيقي الذي كانت تحلم به ياسمين, فهو مثقف ومهذب ومتعلم، ويحبها كثيرًا, وكما أنها كانت حلمه أصبح هو أيضًا حلمًا لها، على حد قولها.

موافقة دون نقاش

"فلسطين" أيضًا حاورت والدة الأسير عبد الله إغبارية، لتتحدث عن قصة ارتباط ابنها الأسير بفتاة من غزة.

تقول أم عبد الله: "حدّثني عبد الله عن نيته خطبة فتاة من غزة، وحين أخبرني بذلك وافقت على الفور، وباركت خطبته مقدمًا".

وتفسر أم عبد الله رد فعلها بأن ابنها طوال مدة سجنه يحلم بالارتباط بفتاة تكون بريق أمل لأيامه في السجن، لكنها لم تستطع أن تجد له أي فتاة تقبل بوضعه وتعيش معه على الأمل.

تقول عن علاقتها بعروس ابنها: "علاقتي معها طيبة جدًّا, فهي سعادة ابني وفرحته, تسأل عني دائمًا لتطمئن على صحتي، تعزيني بالأمل، وبأننا سنلتقي قريبًا في اجتماع عائلي يكون عبد الله فيه حاضرًا، هي كما يُقال بالعامية (بنت حلال)".

وعن قصة أسر عبد الله تقول والدته: "طعن ابني جنديين قبل موعد زفافه بأيام قليلة, فاعتُقل، وخسر أحلامه مع مخطوبته السابقة, لكنه أعاد رسم أحلام جديدة مع ياسمين".

وتضيف عن فلذة كبدها الأسير: "هو سندي بعد الله, كان أقرب أبنائي إلى قلبي, وأكثرهم طاعة لي وبرًّا بي, ورحيله عني هدّني, فقد كنت سليمة تمامًا بلا أي مرض, وأنا الآن مُصابة بعدد من الأمراض المزمنة التي تسبب بها حزني على غيابه".

ياسمين وأم عبد الله تأملان أن يخرج عبد الله من سجون الاحتلال في صفقة تبادل أسرى جديدة, وقد بدتا خلال حديثهما إلى "فلسطين" متحليتين بأمل يقيني في اللقاء، وهما على الأرجح استمدتا أملهما من عبد الله الذي لم يفقد الأمل في الحرية يومًا.