فلسطين أون لاين

​انتظام الكهرباء.. "حُلم" يراود الشارع الغزي

...
محطة توليد الكهرباء بالمحافظة الوسطى
غزة - نبيل سنونو

"العلمُ نور"، كانت هذه المقولة التي تشبث بها العشريني محمد حسين على مدار حياته، وخصوصا عندما قرر الالتحاق بتخصصه المفضل في الجامعة، لكنه في طريقه إلى المنزل، كان لا يزال يراوده "حلم" طال انتظار تحقيقه، بألا يطمس هذا النور الانقطاع المزمن للكهرباء في غزة، بما يتركه من آثار تعيق دراسته.

"أستخدم الشموع والليدات في الدراسة.. شيء ما لم يتغير"، هذا هو حال حسين، طالب علم النفس، ليس ببعيد عن أصحاب المهن، وربات البيوت، والعامة.

يضيف ذو الوجه القمحي، لصحيفة "فلسطين": "الكهرباء من أولويات الإنسان التي تلزمه في كل حياته سواء أكان طالبا جامعيا أم مدرسيا أم رجل مهنة".

ويضيف أن القطاع يعيش في "ظل أزمة كبيرة جدا اتسعت رقعتها"، مفسرا بأن التيار الكهربائي يصل بمعدل أربع ساعات مقابل 12 ساعة قطع.

"لا إنسان حر يقبل بهذا"؛ يواصل كلامه، معتبرا أنه من المفترض تنظيم احتجاجات واعتصامات شعبية للمطالبة بحل الأزمة.

لكنه رغم ذلك، لا يخفي أن تحريك المياه الراكدة في مسار المصالحة بعث شيئا من الأمل في نفوس الغزيين، لتكاتف الجهود الوطنية، بيد أن تسلم الحكومة لم يغير واقع هذه الأزمة بعد.

ويعتقد أن الحكومة تأخرت في حل أزمة الكهرباء، مفسرا بأن عددا من المسؤولين الحكوميين كانوا يصرحون بوعود مفادها أن الكهرباء ستتحسن مع بداية تحمل الحكومة مسؤولياتها في القطاع، لكنه لم يلمس أي تحسن حتى اللحظة في هذا الملف.

ولا تساعد "الليدات" التي يستخدمها المواطنون كبديل للكهرباء، حسين بالدراسة. يقول: "كطالب جامعي مثلا في الامتحانات النصفية أو النهائية عندما أريد القراءة تصيبني الليدات بزغللة في العينين يتحول إلى نوع من الاكتئاب الذي يدفع إلى التراجع عن الدراسة، وتأجيلها لوقت لاحق".

ويُفقد انقطاع الكهرباء هذا الطالب الجامعي، القدرة على وصل حاسوبه بالكهرباء، ويضطر في كثير من الأحيان إلى انتظار الكهرباء حتى يباغته النعاس.

ويطالب الحكومة بأن تكون الكهرباء على رأس أولوياتها.

والشارع في غزة لا يزال في انتظار حل أزمة الكهرباء المزمنة. إنه يتساءل عن سبب بقائها حتى الآن، ما الذي يمنع مثلا رفع ضريبة البلو عن الوقود اللازم لمحطة التوليد؟ أو إعادة الكهرباء التي قال منسق أعمال حكومة الاحتلال في الضفة والقطاع، يؤاف مردخاي، إنها تقلصت بناء على طلب من السلطة الفلسطينية؟

على أبواب المحال، يتخذ الباعة أماكنهم، يخيم عليهم مشهد قاتم في ظل انقطاع الكهرباء التي تفرض عليهم التوقف عن العمل، أو اللجوء لطاقة بديلة تضيف عليهم أعباء مالية جسيمة.

يمر من أمامهم الطلبة، والنسوة، والرجال، والشيوخ، كلٌّ منهم له مع انقطاع الكهرباء المرير حكاية. لسان حالهم لمنظمات حقوق الإنسان والعالم: "اللي بياكل العصي مش زي اللي بيعدها".

أعباء

في أستوديو تصوير وسط غزة، يتوسط ماهر زينو محله، الذي لا يبدو فيه أي إشارة على وجود الكهرباء.

"أنا لا أرى تحسنا في الكهرباء"؛ يقول زينو لصحيفة "فلسطين"، مبينا أن عمله يعتمد على التيار الكهربائي، ويتعطل من دونه.

يستخدم هذا الثلاثيني جهاز تخزين الطاقة "يو بي أس" الذي يحتاج بدوره إلى شحنه بالكهرباء دوريًا، ثم يلجأ إلى "الموتور" الذي يكلفه ماديًا مبالغ باهظة.

ويلزم عمله كمصور توفير الإضاءة وغيرها من الاحتياجات الكهربائية. ولا تقتصر هذه الأزمة على مهنته، بل يعيشها تماما في منزله، كسائر الغزيين الذين لا يتمكنون من وصل أجهزتهم بالكهرباء إلا في أوقات محددة.

لدى هذا الشاب "أمل ضعيف" بتحسن أحوال الكهرباء، ويطالب الحكومة بحل أزمات الكهرباء والعمال والموظفين والخريجين والمعابر.

عند منتصف الليل، اضطرت المسنة أم محمد، للاستيقاظ حتى تتمكن من غسل ملابس العائلة عندما تم وصل التيار الكهربائي بعد طول انقطاع.

تقول الستينية لصحيفة "فلسطين"، مُفضِّلةً عدم كشف اسمها كاملا: إن أزمة الكهرباء لا تزال تخيم على كل فصول حياتها، وتضيف عليها أعباء مادية، وإرهاقا جسديا.

وسألت صحيفة "فلسطين"، صاحب شركة مولدات كهربائية، معتز الريس، عن واقع الأزمة.

يوضح الريس أن الأزمة لا تزال مستمرة، ما ينعكس على شكل إقبال على المولدات للتغلب عليها، قائلا إنه لولا هذه المولدات لكانت المستشفيات توقفت، وتفاقمت معاناة المواطنين.

لكنه يصف استخدام المولدات بأنه "حل جزئي، بتكلفة أكبر"، ما سيكون عليه الحال لو لم تنقطع الكهرباء.

ويمكن للمولدات توفير الكهرباء على مدار الساعة في المنزل لتشغيل الأجهزة الكهربائية وتوفير الإنارة، لكن ذلك يكلف المواطن –بحسب الريس- ما يقدر بـ240 شيكلا يوميا، وهو ما يعدّ مبلغا باهظا للغاية ولا يتناسب مع المستوى المعيشي العام في القطاع.

ينطبق على الغزيين في ملف الكهرباء المثل الشعبي "الحاجة أم الاختراع"، لكن ذلك رتّب عليهم الكثير من الأعباء بسبب هذه الأزمة التي أودت بحياة عدد منهم نتيجة استخدام الشموع.

وتتطلع اليوم عيون الجميع لتحمل الحكومة مسؤولياتها. يبحث عنها الطالب، والمسن، والمرأة، والطفل، والرجل في مجالات حياتهم اليومية على أرض الواقع في غزة، آملين ألا تخذلهم من جديد.