في ظل استمرار حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة وما رافقها من حصار خانق بات يشكل قضية دولية يفرض حضوره على الساحة الدولية والأوروبية، فأسطول الصمود العالمي وهو مبادرة مدنية تسعى لكسر الحصار وإيصال المساعدات الإنسانية بشكل عاجل لسكان القطاع.
ويحمل هذا التحرك في طياته أبعاداً سياسية وشعبية تتجاوز مسألة إيصال المساعدات، إذ كشف حدود التدخل الغربي وحجم الضغط الشعبي في أوروبا تجاه القضية الفلسطينية، وقد أعاد الاسطول وضع غزة في صدارة المشهد الدولي وأثبت ان الضغط الشعبي المدني قادر على تحريك الحكومات وتقييد الاحتلال حتى ولو بشكل تدريجي، وفق مراقبين.
وكانت حكومتا إيطاليا واسبانيا أعلنتا إرسال سفن بحرية لمرافقة الأسطول، لتنفيذ مهاما يقتصر على الإنقاذ والإغاثة في حال تعرّضت سفن القافلة لمخاطر، دون أي تفويض بالتصدي لـ(إسرائيل) أو مواجهة عسكرية مباشرة معها.
هذه الخطوة تعكس استجابة واضحة لمطالب الشارع الأوروبي، خاصة في مدريد وروما، حيث تضاعفت الدعوات الشعبية والبرلمانية للضغط على الاحتلال ورفع الحصار عن غزة.
ورغم محدودية التفويض، فإنّ مجرّد وجود سفن أوروبية بالقرب من الأسطول يضع (إسرائيل) أمام معادلة معقدة: فالهجوم أو التعرض لهذه السفن قد يقود إلى أزمات دبلوماسية محرجة، بينما تجاهلها قد يعني كسر الحصار بحكم الأمر الواقع.
يقول أستاذ العلاقات الدولية د. رائد بدوية، إن إرسال هذه القطع البحرية من قبل مدريد وروما يظل خطوة رمزية أكثر من كونه تحركًا عسكريًا فعليًا.
وأوضح بدوية لصحيفة "فلسطين"، أن هذه السفن لا تمتلك صلاحيات مواجهة الاحتلال، إنما دورها محصور في حالات الطوارئ والإنقاذ. مضيفاً أنها تأتي استجابة لضغوط شعبية متزايدة، لكن لا يمكن القول إنها ستجبر (إسرائيل) على السماح بمرور الأسطول. بالعكس، الاحتلال يضع خططًا لمنع وصول السفن إلى غزة بحجج أمنية، ومن المرجح أن يشهد الحدث حوادث استثنائية، لكنها ستبقى تحت سقف الأزمات الدبلوماسية القابلة للاحتواء.
وأضاف أن القيمة الأساسية للأسطول تكمن في تحريك الرأي العام العالمي ضد الإبادة في غزة، مشيرًا إلى أن الاقتراب من شواطئ غزة حتى دون الدخول إليها سيُحدث أثرًا كبيرًا، لأنه يعزز الضغط الشعبي على الحكومات الأوروبية ويزيد عزلة إسرائيل الدولية.
من جانبه، يذهب الدبلوماسي الفلسطيني د. ربحي حلوم إلى زاوية أخرى، معتبرًا أن الأسطول قد يشكل لحظة كسر في المشهد الدولي، قائلاً: "الحكومة الإسبانية الحالية ورئيسها أظهروا مواقف مشرفة، وأعتقد أنهم لن يتراجعوا".
وأضاف حلوم لـ "فلسطين"، "لقد ردوا على نتنياهو بإرسال فرقاطتين حربيتين لمواكبة الأسطول، وفي تقديري الصهاينة لن يجرؤوا على مواجهة مباشرة مع هذه السفن لأنهم يعيشون عزلة دولية غير مسبوقة".
وتابع "(إسرائيل) قد ترضخ لحل وسط يطرحه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، المعروف بتعاطفه مع الحق الفلسطيني. في كل الأحوال، لن يتراجع الأسطول وسيواصل الإبحار، وقد يسهم ذلك في تضييق الخناق على الاحتلال أكثر فأكثر".
سيناريوهات متوقعة
تتراوح السيناريوهات المحتملة بين ثلاثة مسارات رئيسية، وفق المراقبين، الأول نجاح رمزي عبر وصول السفن إلى مشارف غزة، ما سيشكل ضغطًا سياسيًا وشعبيًا كبيرًا، والثاني مواجهة محدودة من خلال اعتراض إسرائيلي قد يؤدي إلى أزمة دبلوماسية مع إسبانيا وإيطاليا، لكنها ستظل قابلة للاحتواء.
أما الثالث وفق قولهم وهو تصعيد عسكري مباشر، وهو احتمال ضعيف، لكنه سيكون مكلفًا لـ(إسرائيل) دوليًا في حال وقوعه.
ويُجمع الخبراء أن أسطول الصمود لن يغير موازين القوى عسكريًا، لكنه يمثل حلقة ضغط إضافية ضمن الحراك الدولي المدني ضد الاحتلال، إلى جانب المظاهرات في العواصم الغربية وقرارات المنظمات الحقوقية. هذا التحرك يضع (إسرائيل) أمام مزيد من العزلة الدولية، في وقت تتزايد فيه دعوات المقاطعة وقطع العلاقات.
وفي المقابل، تكشف هذه التطورات ضعف الموقف العربي الرسمي، حيث ما زالت معظم الحكومات تلتزم الصمت أو تصطف إلى جانب السياسات الغربية، ما يضاعف من اعتماد القضية الفلسطينية على التضامن الشعبي والدولي أكثر من الرسمي.
أسطول الصمود ليس مجرد محاولة لإيصال مساعدات إنسانية إلى غزة، بل هو اختبار للإرادة الدولية: هل يمكن لحراك مدني ضاغط أن يفرض معادلة جديدة على (إسرائيل)، أو على الأقل يكسر جدار الصمت الدولي؟

