في لحظة فارقة من حياتها قررت فرح حسان، الشابة الفلسطينية حديثة التخرج في قسم الصحافة والإعلام، أن ترتدي جعبتها وتخرج من قاعات الجامعة إلى ميدان المعركة الحقيقية، حيث لا مكان للغفلة ولا للسكوت.
حسان، التي تلقت دراستها في إحدى الجامعات الفلسطينية، لم تكن تعرف أن سنواتها الدراسية ستجعل منها شاهدةً وصوتًا للعديد من القصص التي تُكتب بدماء الأبرياء في شمال قطاع غزة.
منذ تخرجها، كانت فرح تتابع الأخبار بشغف، لكنها لم تتوقع أن يكون الاحتلال الإسرائيلي هو العدو الأول الذي ستواجهه كاميرتها وقلمها، تقول لصحيفة "فلسطين": "في كل زاوية من شمال قطاع غزة، كانت الأهوال تلاحقنا، أطفالٌ أيتام، وآباءٌ مفجوعون، ونساءٌ ثكالى، وبيوتٌ تُدمر، وكل هذا يتطلب مني دورًا لم أكن أتخيله في يوم من الأيام".
وتروي حسان، التي تعمل لصالح وكالة السفارة الفرنسية، قائلة: "كلما شاهدت الأطفال يلعبون في الشوارع، كانوا يختبئون بين أزقة المنازل ليهربوا من القصف، كان هذا مشهدًا مؤلمًا؛ لا أستطيع أن ألتزم الصمت وأنا أرى هذا الظلم بعيني".
في ظل الأوضاع الأمنية المتدهورة، اختارت العديد من العائلات في غزة في بداية الحرب النزوح إلى جنوب القطاع بحثًا عن الأمان، لكنها كانت تدرك حجم المعاناة التي يواجهها شعبها في كل شبر من غزة، لم تستطع أن تترك المكان الذي تربت فيه واحتضنها، فاختارت أن تبقى في الشمال، في قلب المعركة، متحديةً كل المخاطر التي قد تواجهها.
"لن أكون جزءًا من الهروب، الشعب يحتاجنا هنا، لا أستطيع أن أترك أهلي في الشمال وهم يواجهون القصف بمفردهم"، هكذا أكدت حسان، موجهةً رسالتها إلى كل من يعتقد أن الحل يكمن في الهجرة بعيدًا عن مكان الحدث.
قررت حسان أن تضع قلمها وعدستها في خدمة قضية وطنها، فبدأت في توثيق الأحداث بشكل يومي، كانت تغطي جميع الجرائم التي يرتكبها الاحتلال في شمال غزة، وتكتب التقارير الصحفية التي تُعري الواقع المأساوي الذي يعيشه الفلسطينيون. ولم تقتصر جهودها على الكتابة فقط، بل كانت أيضًا حريصة على تصوير لحظات المعاناة من خلال كاميرتها، محاولةً توثيق تلك اللحظات المدمرة التي تروي قصص الألم والصمود.
وتشير إلى أن العمل الصحفي بشتى أشكاله هو من يفتح عيون العالم نحو الحقيقة، "فنحن في غزة، لا نملك رفاهية السكوت، يجب أن نكشف ما يحدث هنا، ويجب أن يسمع العالم صرخاتنا"، وفق حديثها.
ووسط الأجواء المأساوية التي كانت تعيشها حسان، لم يكن لديها متسع لتعيش أجواء رمضان أو حتى طقوس العيد، حيث كانت تقضي أغلب أوقاتها في الشوارع أو في مواقع الأحداث، تلتقط الصور، وتكتب التقارير، وتوثق المجازر.
تستذكر بمرارة: "وبعد استئناف الحرب على القطاع، لم أتمكن من تذوق طعام الإفطار مع عائلتي في رمضان، ولا حتى المشاركة في صلوات العيد، فعدنا إلى المربع الأول من الوجع والألم".