أمام محله في حي تل الهوى جنوب غرب مدينة غزة، وقف سعد جبريل بعد عودته من رحلة النزوح إلى جنوب القطاع، متأملًا في الدمار الذي حلّ بمحل الألعاب الذي أنشأه قبل أكثر من عشر سنوات.
كان المحل يومًا ما ملاذًا للعائلات الباحثة عن ألعاب تُدخل السعادة إلى قلوب أطفالهم، يضج بالحياة وضحكات الصغار، لكنه اليوم لم يعد سوى أنقاض متناثرة، وأطلال رفوف كانت يومًا ما تحمل الفرح.
لم تقتصر خسارة جبريل على فقدان محل الألعاب في تل الهوى، بل امتدت لتشمل ثلاثة محلات أخرى؛ اثنان في مدينة غزة، وآخر في جباليا، بالإضافة إلى منزله الذي سُوِّي بالأرض نتيجة قصف الاحتلال الإسرائيلي خلال عدوانه على القطاع.
بعد خمسة عشر شهرًا من الحرب، وجد جبريل نفسه بلا منزل ولا مصدر رزق، وبينما كان يحاول التماسك، كانت يداه تتحسس غبار الأنقاض، وكأنه يبحث عن شيء يربطه بالماضي الذي اختفى فجأة.
يقول بحسرة لـ "فلسطين أون لاين": "كل شيء ضاع في لحظة، شقاء عمر وعمل بدأته منذ كنت في السادسة عشرة، حين تعلمت صيانة المعدات والدراجات الهوائية، واكتسبت المهارات التي مكنتني لاحقًا من افتتاح ثلاثة محلات، أضفت إليها ألعاب الأطفال والهدايا والإكسسوارات... كان الزوار يجدون في محلاتي كل ما يخطر على البال".
على مدار أكثر من أربعين عامًا، كافح جبريل ليكبر مشروعه شيئًا فشيئًا، وكان يشعر بالسعادة عندما يرى طفلًا يدخل محله بعينين لامعتين وهو يختار لعبته. يقول بصوت مختنق: "لم أكن أبيع مجرد ألعاب، كنت أبيع لحظات فرح".
ويتابع: "مثل أي إنسان، كنت أجمع المال لتوسعة المحل الأول، ثم افتتحت الثاني فالثالث، كنت أدير أحدها، فيما كان ابناي يديران المحلين الآخرين. كانت الحياة تسير بشكل جيد، حتى جاءت الحرب، وانهالت صواريخ الاحتلال لتدمر بيتي، والمحل الكبير في جباليا، ثم أتت على المحلات الأخرى والمخازن التي كانت مليئة بالألعاب".
ورغم الخسائر الفادحة، يحاول جبريل التماسك أمام زوجته وأبنائه وأحفاده، لكنه لا يخفي مخاوفه من المستقبل. يقول بحرقة: "كنت أعيش حياة مستقرة، أعتمد على نفسي، واليوم أصبحت بلا شيء... كيف سأعيد بناء ما دُمِّر؟ كيف سأوفر احتياجات عائلتي؟".
لم يكن جبريل رجلًا غنيًا، لكنه كان مكتفيًا، يحلم بمستقبل آمن لعائلته. أما اليوم، فيشعر وكأنه عاد إلى نقطة الصفر، لكن في ظروف أقسى مما يستطيع احتمالها.
"أنا لا أطلب المستحيل، لا أريد إلا أن أعمل، أن أعيد بناء محلي، أن أرى أطفالي ينامون في بيتهم"، يقول بحسرة.
حالة جبريل ليست استثنائية، فالحرب الأخيرة تركت آثارًا كارثية على التجار في غزة، إذ دُمِّرت مئات المحلات والمصانع، وتوقفت عجلة الاقتصاد بالكامل، ورغم محاولات الأهالي الصمود، إلا أن الواقع يزداد سوءًا مع استمرار الحصار وشحّ المساعدات.
ويأمل في أن يجد دعمًا، سواء من المؤسسات المحلية أو الدولية، ليتمكن من استعادة ولو جزء بسيط مما فقده. "أنا لا أطلب المستحيل، فقط أريد أن أبدأ من جديد"، يقول بصوت يمتزج بين اليأس والأمل.
في غزة، الحروب لا تقتل فقط، بل تكسر أرواح الناس، تحطم أحلامهم، وتتركهم بلا خيار سوى المحاولة من جديد. وجبريل واحد من آلاف فقدوا كل شيء، لكنه رغم ذلك يتمسك بخيط أمل رفيع. "سيعيدون بناء المدن، لكن من سيعيد بناء قلوبنا؟"، يتساءل وهو يحدّق في الركام، كأنه يبحث عن إجابة وسط الدمار.

