في قلب معاناة النازحين في قطاع غزة، تبرز قصة مدرسة "السلام" التي تم إنشاؤها في أحد مراكز الإيواء في جنوبي القطاع، لتكون ملجأً للأطفال الذين حرمتهم الحرب من مقاعد الدراسة.
خطوة تتلوها خطوة على مدار فترة النزوح، أصبحت مدرسة السلام، التي أُنشئت بإمكانات شحيحة، رمزًا للإصرار على مواجهة المعاناة والاستمرار في بناء الأمل عند نازحي مركز إيواء الأقصى الواقع بمواصي خان يونس.
المدرسة تتكون من ستة غرف صفية، أقل ما يُقال عنها أنها متهالكة. بعضها مجرد خيام خالية تمامًا من المقاعد، بالكاد تستوعب التلاميذ الذين يجلسون متلاصقين لتدفئة بعضهم البعض في برد الشتاء القارس. والسبورة الوحيدة في كل صف بالكاد تفي بالغرض، فيما لا تتوفر الكتب والمستلزمات التعليمية إلا بشكل محدود جدًا.
"نحاول أن نستمر في تعليم أبنائنا لأنه الأمل الوحيد لهم في هذا الوضع الكارثي الذي أنتجته الحرب"، هذا هو لسان حال كل النازحين في قطاع غزة، وعلى هذا المبدأ أُنشئ هذا المشروع، يقول الدكتور فايز أبو حجر مدير مدرسة السلام.
ويوضح أبو حجر لـ "فلسطين أون لاين" أن المدرسة تضم في جنباتها 975 طالبًا وطالبة، يقوم على خدمتهم 18 عاملًا بين معلم وسكرتير وآذن، وفق الخطة والمناهج التي أقرتها وزارة التربية والتعليم.
وأشار إلى أن الغرف الصفية التي تضمها المدرسة تفتقر إلى أدنى مقومات التعليم، وهي غرف وأماكن مقتطعة من الغرف التي كان يسكنها النازحون في مركز إيواء الأقصى.
وعند الحديث عن المعلمين الذين يواجهون التحديات اليومية بروح من التفاني، فهم يعملون متطوعين دون رواتب وفي ظل ظروف معيشية قاسية، إلا أنهم يصرون على المضي قدمًا. الأستاذ نضال السبع، أحد معلمي المدرسة، يقول: "ليس لدينا الإمكانيات التي يحتاجها الطلاب، لكننا نؤمن بأن التعليم هو السبيل الوحيد لمواجهة مستقبل مظلم، فلا يمكننا أن ندع الحرب توقف أحلامهم".
ومع قدوم الشتاء، تتضاعف معاناة الطلاب والمعلمين في هذه المدرسة، خاصة أن الطلاب يفترشون الأرض قبل أن تتبرع إحدى الجهات الخيرية ببطانيات ليجلسوا عليها، يكمل أبو حجر.
وفي رسالة للعالم، يقول مدير المدرسة: "نحن لا نطلب المستحيل، نريد فقط أن يتمكن هؤلاء الأطفال من التعلم في بيئة آمنة ومناسبة، فالتعليم حق أساسي لكل طفل، وهو سلاحنا الوحيد في مواجهة الفقر والجهل الذي خلفته الحرب".
وطالب أبو حجر كل المؤسسات المعنية بتوفير خيم للغرف الصفية، وقرطاسية مناسبة للتعليم، وكفالة أجور المعلمين، إضافة إلى وجبة خفيفة للطلاب الذين يمتد تعليمهم على 3 فترات من اليوم.
هذه المدرسة في مواصي خان يونس ليست مجرد مكان للتعليم، بل هي رمز للصمود والأمل في مواجهة أعتى التحديات. ومع كل يوم جديد، تستمر قصة الإصرار على الحياة والتعليم، بينما يبقى نداء الطلاب والمعلمين مفتوحًا لكل من يستطيع مد يد العون لتغيير هذا الواقع الصعب.
وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) قد قالت إن الأطفال في قطاع غزة هم الفئة الأكثر تضررًا مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.
وأشارت إلى أن جميع الأطفال في قطاع غزة يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب على القطاع في تشرين الأول الماضي.
وفي أحدث تقرير للمكتب الإعلامي الحكومي، فقد دمر الاحتلال 117 مدرسة وجامعة تدميرًا كليًا، و332 تدميرًا جزئيًا، في حين أن بقية المدارس التي ظلت صامدة قد تحولت إلى مراكز إيواء للنازحين خلال حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ أكثر من أربعمائة وستين يومًا.