لا تتوقف سلطات الاحتلال عن إجراءات تهويد الأراضي الفلسطينية المحتلة والمدينة المقدسة على وجه التحديد، باستمرار التنقيب والحفريات أسفل المسجد الأقصى، في محاولة لخلق تزييف الهوية التاريخية الإسلامية للمكان.
فقبل عدة أيام، زعم علماء إسرائيليون، اكتشاف آثار في البلدة القديمة بالقدس، قالوا "إنها أجزاء مدفونة" من حائط البراق، وأول بناء أثري روماني.
وقال عالم الآثار جو أوزييل، إنه وزملاءه كانوا على علم بوجود قسم غير مكتشف من الحائط وتوقعوا العثور على شارع روماني أسفله، وفق زعمه.
وينظر متابعون لشؤون المدينة المقدسة، أن هذه الممارسات لم تعد خفية على أحد، وتحمل في ثناياها "نوايا خبيثة" تهدف بالدرجة الأولى للسيطرة الكاملة على المسجد الأقصى، عبر محاولات لتزييف تاريخ المسجد الحقيقي.
واللافت أن الإعلان الإسرائيلي جاء بعد عدة قرارات أعلنتها منظمة "اليونيسكو" للتربية والعلوم والثقافة من بينها القرار الصادر في 18 أكتوبر 2016 الذي أكد على إسلامية المكان وعدم وجود أي رابط ثقافي يهودي فيه، بخلاف إدانتها لسياسة سلطات الاحتلال في القدس.
وأثارت هذه القرارات غضب دولة الاحتلال، الأمر الذي دفع رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، للإيعاز لوزارة خارجتيه ببدء التحضير للانسحاب من المنظمة، تبعاً لحليفتها الولايات المتحدة.
برنامج تهويدي
مدير قسم المخطوطات والتراث في المسجد الأقصى المبارك الشيخ ناجح بكيرات، قال إن الاحتلال يسير وفق برنامج تهويدي في مدينة القدس، والمسجد الأقصى خاصة.
وأوضح بكيرات في حديث لصحيفة "فلسطين"، إن البرنامج يرتكز على ثلاثة محاور، أولها الرواية، أي تقديم رواية عن القدس والأقصى بعيداً عن الرواية الفلسطينية الأصلية.
وعلّق على ذلك بالقول، إن "(إسرائيل) تشن حربا داخلية وخارجية، تريد من خلالها اقناع جمهورها بأن المكان لليهود ولا علاقة للفلسطينيين به".
ويركز المحور الثاني، على تفتيت الوجود المقدسي والفلسطيني في القدس "بسعي الاحتلال لتفريغ المدينة المقدسة من الفلسطينيين المقدسيين من جهة، ومن جانب آخر مصادرة الأماكن التي تدعي اكتشافها وجعلها تحت سيطرتها".
أما المحور الثالث، فيرتكز من وجهة نظر بكيرات، على أن حكومة الاحتلال تهيئ ما يسمى لـ"مشروع الهيكل"، وتسعى لتقديم أدلة وبرامج تثبت وجوده، عوضا عن محاولات فرض وقائع التقسيم الزماني والمكاني للأقصى، الذي فشلت فيه في تموز/ يوليو الماضي.
تزييف الرواية
بدوره، أكد الناشط في شؤون القدس د. جمال عمرو، أن سلطات الاحتلال اعتادت على تزييف كل الحقائق المتعلقة بالمسجد الأقصى، حتى المواقع التاريخية والأثرية، مشيراً إلى حالات تزيّف العديد من الموجودات كالبرونزات والعملات القديمة.
وقال عمرو في حديث لصحيفة "فلسطين"، الإسرائيليين مشهورون بتزوير الآثار، ويسعون لإثارة المستوطنين والمؤسسات المهتمة بالآثار والتاريخ بأن لديهم اكتشافات جديدة، بعدما فقد الجميع الثقة بعلمائهم المتطرفين.
وبيّن أن ما جرى اكتشافه ليس جديداً ولديه خرائط تثبت وجوده منذ آلاف السنين في فترة العهد الروماني، بالإضافة إلى العديد من الآثار الأخرى التي تعود أصولها للفلسطينيين.
ويبلغ عرض الجزء المكتشف نحو 15 متراً وبارتفاع 8 أمتار، أما الحجارة التي استخدمت في بنائه فإنها ما تزال بحالة جيدة جدا.
أهداف سياسية
في السياق، رأى المحلل السياسي من القدس راسم عبيدات، أن توقيت الإعلان عن الاكتشاف مرده أهداف سياسية "خبيثة"، مشيراً إلى ان الاحتلال يحاول السيطرة على ساحة حائط البراق التي تشكّل الجزء الغربي من الأقصى.
وبين عبيدات، في حديث لصحيفة "فلسطين"، أن الإعلان يندرج في إطار الجهود الإسرائيلية المبذولة لاقتطاع هذا الجزء من المسجد، من أجل إيجاد موطئ قدم لما يسمونه "المصلين اليهود".
من زاوية أخرى، ذكر عبيدات أن إعلان الاكتشاف جاء بعد التصويت الذي أجرته اليونيسكو لإدانة اجراءات الاحتلال سواء في مدينة القدس والضفة "وقد يكون ذلك من أجل الضغط على المنظمة وإحراجها بإظهارها كمؤسسة غير مهنية، من أجل تراجع قرارات إسلامية القدس"، مستبعداً حدوث ذلك.
وأشار إلى أن، "اليونيسكو" مطالبة بإرسال لجنة من الخبراء لفحص ما يتحدث عنه العلماء الإسرائيليون، للتأكد من حقيقة الاكتشاف، لأنه جزءاً أصيلاً من المسجد الأقصى.

