فلسطين أون لاين

وقف مخصصات ذوي الشهداء والجرحى.. أبعاد سياسية تمس جوهر القضية

...
صورة من الأرشيف
غزة- رام الله/ نور الدين صالح:

لم يكن قرار رئيس السلطة محمود عباس وقف مخصصات الأسرى وذوي الشهداء والجرحى، وتحويل هذا الملف الوطني الحساس إلى إطار إداري جديد تحت مسمى "مؤسسة تمكين"، مجرد إجراء مالي أو إداري عابر، بل شكّل محطة سياسية فارقة بشأن طبيعة الدور الذي يفترض أن تقوم به السلطة مع استمرار الاحتلال والضغوط الدولية المتصاعدة.

فهذا القرار مسّ واحدة من أكثر القضايا إجماعاً في الوعي الجمعي الفلسطيني، باعتبارها تمثل جوهر التضحية والنضال في مواجهة الاحتلال، وعنواناً لتكافل وطني تاريخي شكّل ركيزة من ركائز الصمود الفلسطيني.

وأصدر عباس قرارا الاحد الماضي قال فيه: " تعد المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي الجهة الوحيدة المخولة بدفع المخصصات المالية وتطبيق معايير الاستحقاق"، على حد قوله.

يصف علاء البراوي، المتحدث باسم اللجنة الوطنية لعوائل الشهداء والجرحى، القرار بأنه "تنكر علني وصريح لدماء الشهداء والجرحى والأسرى".

ويؤكد البراوي لصحيفة "فلسطين"، أن ما يجري اليوم هو تفريغ للقضية الفلسطينية من مضمونها، وتحويلها إلى ملف إغاثي تديره مؤسسة لا تمتلك أي بعد وطني، محذراً من أن هذا المسار سيؤدي إلى انفجار اجتماعي، في ظل توقف المخصصات منذ شهرين، وصرف مبالغ زهيدة في الضفة الغربية، واستبعاد غزة فعلياً من آخر عملية صرف، ما فاقم حالة الغضب والاحتقان.

ويستحضر البراوي البعد التاريخي للقضية، مشيراً إلى أن أحد أسباب تأخر الإعلان عن منظمة التحرير كان إيجاد إطار لرعاية وصرف مخصصات الشهداء والجرحى والأسرى، ما يعني أن هذه الفئة كانت في صلب نشأة المشروع الوطني الفلسطيني.

وانتقد البراوي بشدة دور أحمد مجدلاني ومؤسسة "تمكين"، معتبراً أن ما يجري هو إعادة إنتاج لنهج سابق "قائم على الاستهتار بمعاناة الفقراء والمحتاجين"، مشيراً إلى أن مجدلاني "لا يمتلك رصيداً وطنياً يبرر إدارته لهذا الملف الحساس".

خدمة أهداف الاحتلال

بدوره، يصف خالد منصور، عضو المكتب السياسي لحزب الشعب، القرار بأنه "شائك وخطير جداً"، معتبراً أنه يشكل تجريماً مباشراً للنضال الفلسطيني، ويخدم الأهداف الأمريكية والإسرائيلية والأوروبية الساعية إلى نزع الصفة الوطنية عن قضية الأسرى والشهداء والجرحى.

ويؤكد منصور لصحيفة "فلسطين"، أن ما يجري هو مقايضة واضحة، يتم فيها الضغط على السلطة من خلال أموال المقاصة، مقابل التخلي عن أحد أهم الحقوق الوطنية الجامعة، وهو حق رعاية من دفعوا ثمن النضال.

ويرى منصور أن إحالة ملف الأسرى والشهداء إلى مؤسسة "تمكين" لا يمكن فصلها عن السياق السياسي العام، إذ صدر القرار عن السلطة مع علم مسبق بحجم الضرر الذي سيلحق بمصالح مئات آلاف المواطنين، وما قد يسببه من توتر وفوضى وحراك شعبي، كما حدث فعلاً في نابلس وطولكرم، حيث خرج أهالي الأسرى والمتضررون إلى الشوارع وأغلقوا الطرقات، في رسالة واضحة بأن الأولوية يجب أن تكون لمواجهة الاحتلال لا فتح مواجهة داخلية.

ويحذر منصور من أن القرار يأتي في توقيت خطير، يتزامن مع هجوم أمريكي–إسرائيلي واسع على القضية الفلسطينية، لا يقتصر على ملف المخصصات، بل يمتد إلى مخيمات اللاجئين ومحاولات تصفية وكالة “الأونروا”، ضمن مخطط أوسع لتصفية القضية وخلق حالة توتر داخلي فلسطيني.

 ويشدد على أن تحويل قضية الأسرى والشهداء إلى "حالات اجتماعية" مقابل أموال المقاصة يهدد النسيج الاجتماعي الفلسطيني، ويمس بدور منظمة التحرير، المنوط بها إدارة الملفات الوطنية ومن بينها رعاية أسر الشهداء والجرحى.

من جهته يؤكد الناشط السياسي غسان حمدان أن أخطر ما في القرار هو الخضوع الصريح لضغوط دول تُعد شريكاً استراتيجياً للاحتلال، في إطار محاولات متكررة لفرض مشاريع تصفوية على الشعب الفلسطيني. ويشير حمدان في حديثه لـ"فلسطين"، إلى أن قضية الأسرى والشهداء ليست قضية اجتماعية، بل هي نتاج مباشر لصراع سياسي وعسكري وقانوني طويل مع الاحتلال، وتمثل جوهر القضية الفلسطينية، وبالتالي فإن المساس بها هو مساس بجوهر هذا الصراع.

وينتقد حمدان ضعف تحرك القوى السياسية الفلسطينية، معتبراً أن المسؤولية لا تقع فقط على القيادة، حتى وإن كانت تتعرض لضغوط، بل أيضاً على الشعب والقوى الحية التي قدمت تضحيات جسيمة.

ويرى أن التراجع عن القرار قد يكون صعباً على قيادة السلطة لكنه يؤكد أن أي تحرك شعبي وسياسي جاد سيكون له تأثيرات كبيرة، وقد يفرض إعادة النظر في هذا المسار.

المصدر / فلسطين أون لاين