لليوم السادس تواليًا، يوصل جيش الاحتلال عدوانه على مخيمات الضفة الغربيَّة، ورغم انسحابه من طولكرم وطوباس، لا تزال تواصل عدوانها على جنين، بالقتل والتدمير والتهجير القسري، دون أن تنجح في القضاء على جذوة المقاومة التي تنتقل من نقطة لأخرى لتصفع المحتل ومستوطنيه بضربات جديدة.
وتجمع قراءات محللين سياسيين، أن العملية العسكرية التي تشنها "إسرائيل" على مدن ومخيمات شمالي الضفة الغربية المحتلة تنسجم مع الحرب على قطاع غزة، وتأتي في سياق حرب الإبادة الهادفة للقضاء على الوجود السكاني للفلسطينيين بفلسطين التاريخية.
وقدرت التحليلات أن هذه العملية العسكرية التي قد تمتد إلى جميع مناطق الضفة، وتعتبر الأوسع منذ عملية "السور الواقي" عام 2002، تنسجم مع سياسات حكومة اليمين المتطرف برئاسة بنيامين نتنياهو، التي لوحت مع بدء معركة "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى تهجير الفلسطينيين، بذريعة أنهم يشكلون خطرا وجوديا على استمرار المشروع الصهيوني.
وتوافقت القراءات على أن العملية العسكرية الإسرائيلية تعتبر وجها آخر لخطة "الحسم" التي تهدف لتكريس المشروع الاستيطاني، وفرض وقائع على الأرض تحول دون إقامة دولة فلسطينية، وخلق بيئة طاردة للفلسطينيين لدفعهم للهجرة القسرية، إلى جانب الإمعان في ضم الضفة والأغوار إلى السيادة الإسرائيلية.
هل يحقق العدوان "أهداف" نتنياهو بفرض وقائع على الأرض؟
سري سمور المحلل السياسي من جنين، يقول إن عملية الاحتلال الإسرائيلي في شمال الضفة الغربية تأتي في سياق العدوان الاسرائيلي المستمر على الشعب الفلسطيني، وهي لذلك ليست جديدة.
ويجزم أن الاحتلال لن ينجح في القضاء على المقاومة، مع احتمالية تحقيقه بعض الأهداف الآنية بإضعاف حالة المقاومة مثلما حدث إبان عملية "السور الواقي" عام 2002 لكن الشعب الفلسطيني لا يقبل التخلي عن مقاومة المحتل.
وقال سمور لـ "فلسطين أون لاين": قد يحقق الاحتلال كي وعي مؤقت لكن لا يدوم فالعمليات الاسرائيلية شمال الضفة قد تتمكن من اعتقال وتصفية مقاومين لكن فكرة المقاومة لا تموت.
وبشكل تدريجي عادت حالة المقاومة للبروز والظهور مجددًا منذ ٢٠٢٠-٢٠٢١ في الضفة الغربية، في ظل تصاعد جرائم الاحتلال ومستوطنيه وزيادة السعي الصهيوني لتهويد المسجد الأقصى والمساس به.
وأشار سمور في هذا الصدد إلى، ظهور حالة مقاومة واعية بتشكيل مجموعات مقاومة مثل "عرين الأسود" و"كتيبة جنين" و"كتيبة بلاطة" وهي الظاهرة التي امتدت للمخيمات والمدن المختلفة، حيث بدأت هذه المجموعات تنفيذ عدة عمليات نوعية.
ورغم أن قوات الاحتلال اغتيالات العديد من مؤسسي وأعضاء هذه المجموعات، إلاّ أن قدرتها على التمدد والتوسع واستقطاب الشباب الثائر كانت أكبر من قدرة الاحتلال على محاولة شطبها.
تصاعد على وقع الإبادة
وشهدت حالة المقاومة تصاعدًا كبيرًا مع ارتفاع وتيرة حرب الإبادة الإسرائيلية الجماعية في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر الماضي، والتي أدت إلى أكثر من 135 ألف شهيد وجريح و10 آلاف مفقود.
ويرى سمور، أن الاحتلال يستغل صمت العالم عما يجري بغزة والضوء الاميركي لتوسيع العدوان واستخدام القوة الغاشمة في شمال الضفة وتحديدا في مخيم جنين.
ويشدد على أن كل ما يحدث في مخيم جنين لا يؤثر على دعم المقاومة؛ هناك شعب يدعم المقاومة بقوة وهناك أناس على الحياد وطرف ثالث لا يدعم المقاومة في ظل الظروف الحالية.
لكن الثابت الوحيد -وفق سمور- أن مخيم جنين منذ نشأته عام ١٩٥٣ لم يتخل عن المقاومة، قد تمر عليه فترات هدوء لكن لا يتخلى عن نفس المقاومة.
ومن شمال الضفة الغربية، إلى جنوبها جاءت ضربات المقاومة بعمليتين نوعيتين أدتا إلى مقتل وإصابة عدد من جنود الاحتلال ومستوطنيه.
ويؤكد سمور أن ما حدث في الخليل يجعل الاحتلال يعيد حساباته وتكتيكاته مع جنوب الضفة التي كانت تشهد هدوءا نوعا ما رغم كثافة المستوطنات هناك قياسا بالوسط والشمال.
ويعتقد أن عمليات المقاومة في جنوب الضفة مؤشر قوي على أن المعركة تتسع وتمتد، مضيفا: نحن في الضفة أمام حالة جديدة تتبلور تكبر وتشتد أحيانا وتضعف وتخبو أحيانا لكنها تنطلق خصوصا أن عوامل الصدام مع الاحتلال في الجنوب ودوافع الصدام أقوى حيث الانتشار الاستيطاني وكثافة السكان الفلسطينيين جنوبا وتضررهم من الاحتلال والمستوطنين.
وأعلنت كتائب الشهيد عز الدين القسام، الاثنين، مسؤوليتها الكاملة عن عمليتي مغتصبتي "غوش عتصيون" و"كرمي تسور" قرب مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة، التي نفذها فجر السبت الاستشهاديان المجاهدين القساميان محمد إحسان مرقة وزهدي نضال أبو عفيفة، الذين نفذا العمليتين البطوليتين بالتزامن".
وفي اليوم التالي نفذ مقاوم هجوما على مركبة وحافلات لقوات الاحتلال والمستوطنين وتمكن من قتل ثلاثة من جنود الاحتلال.
أهداف الاحتلال
الخبير العسكري يوسف الشرقاوي يؤكد أن للاحتلال أهدافًا من وراء العملية العدوانية في شمال الضفة من بينها تعميق سيطرتهم على الضفة وصولا إلى تنفيذ مخطط السيطرة بالكامل على الضفة عبر الاستيطان لإقامة دولة المستوطنين.
وقال شرقاوي لـ "فلسطين أون لاين": سلوك الاحتلال في الضفة سيؤدي لاتساع المقاومة وسيهب الشعب الفلسطيني إذا استمر العنف الإسرائيلي وتصاعد.
وشدد على أن الشعب الفلسطيني متيقن اليوم أنه لا سلام مع الإسرائيلي، ويوقن أن ٣٠ سنة من التسوية كانت خديعة لمزيد من الاستيطان.
ويرى شرقاوي أن عمليات المقاومة الفلسطينية في الضفة جنوبا أو شمالا يفجرها سلوك الاحتلال ضد الفلسطينيين والمقدسات.
ويتابع القول، رغم حالة الضعف في المحيط العربي والدعم الغربي للاحتلال إلا أن الفلسطينيين لا يستسلمون لتلك الحسابات أمام تصاعد العنف الاسرائيلي وقد خبرنا بسالة الشعب الفلسطيني في محطات عديدة.