فلسطين أون لاين

"بتر ساعدي لم يبتَر حلمي" 

تقرير طفلة غزّية تروي أحلام "ذوي الإعاقة" خلال أزمة النّزوح

...
رفح/ تامر قشطة

تعاني الطفلة الفلسطينية تسنيم عباس الأمرين وهي تحاول التكيف مع واقع حياتها الجديد بعد تعرضها لبتر في ساعدها الأيمن جراء قصف "إسرائيلي"، لكنها تظهر تمسكها بشغفها بالحياة وأحلامها في غد أفضل. 

في أكتوبر الماضي، تعرضت الطفلة تسنيم (14 عامًا) لإصابة بالغة في يدها اليمنى بعد قصف الطيران الحربي "الإسرائيلي" منزل عائلتها في مدينة غزة، أدت إلى بتر ساعدها الأيمن، تاركاً ندوبا جسدية ونفسية عميقة. 

تقول تسنيم "في البداية شعرت بأنني فقدت كل شيء، في كل خطوة أو حركة أحتاج إلى مساعدة من الآخرين بعد أن فقدت يدي اليمنى سندي في الحياة". 

وظفرت الدموع من عينيها وهو تشير إلى مأساة المجاعة التي عانت منها ويعانيها جميع سكان مدينة غزة وشمال القطاع. وتضيف "نزحت من قسوة الجوع وألم الجراح وغياب العلاج والدواء". 

وتابعت "طوال حياتنا، حتى خلال الحروب السابقة، لم نصل إلى هذا الحد من التجويع". 

وتوضح أن والدتها كانت تبكي بحرقة لأنهم يتألمون من شدة الجوع، "كانت أيامًا مروعة وفي بعض لأحيان كنا نقضي اليوم على شرب الليمون والملح". 

وتشير "مرت علينا أيام لا يمكن فيها العثور على كسرة خبز لنا، ولا نجد إلا طعام الحيوانات، والذي كان يتسبب بمشاكل في الجهاز الهضمي والتقيؤ". 

وقالت شقيقة تسنيم، إن الجوع استهلك عائلتها، وإنها قررت مرافقة شقيقتها في رحلة النزوح من أجل تخفيف العبء عن والديها والبحث عن علاج لشقيقتها الصغرى. 

وأضافت "لكن والله ما هو هاين عليّ فراق أبويا وأمي. بكلمهم على الجوال لما شبكة الاتصالات تجي والحمد لله لسه (لا يزالون) على قيد الحياة". 

وقبل إصابتها، كانت تسنيم تحلم بأن تصبح طبيبة. كانت متفوقة في دراستها، وتُحب مساعدة الآخرين. لكن مع فقدانها يدها اليمنى، واجهت الطفلة الفلسطينية تحديات جديدة، وفقدت بعض ثقتها بنفسها، لكنها بدأت تتعافى من جديد. 

ومنذ أربعة أشهر نزحت تسنيم مع شقيقتها الكبرى إلى رفح للانضمام إلى شقيقها أحمد وشقيقتها الأخرى الأرملة التي استشهد زوجها وأطفالها الأربعة في قصف "إسرائيلي" على منزلهم في غزة ولم يتبق لها سوى طفلة واحدة تبلغ من العمر 6 سنوات، ويعيشون جميعًا في خيمة بمركز إيواء، ويواجهون ظروفًا صعبة. 

وخلّفت الحرب "الإسرائيلية" على غزة منذ اندلاعها في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى ومليوني نازح. 

وأفاد الجهاز المركزي للإحصاء بأن عدد الأفراد ذوي الإعاقة في فلسطين قبيل العدوان "الإسرائيلي" على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول 2023 الماضي/ أكتوبر، 115 ألف فرد، يشكلون ما نسبته 2.1% من السكان. 

وأوضح الإحصاء أن عدد الأفراد ذوي الإعاقة من سكان الضفة الغربية 59 ألف فرد، يشكلون 1.8% من اجمالي سكان الضفة، ونحو 58 ألف فرد من سكان قطاع غزة يشكلون 2.6% من اجمالي سكان قطاع غزة. 

وتقول منظمات حقوقية إن الأشخاص ذوي الإعاقة يواجهون جملة من الانتهاكات الخطيرة تمس مختلف أشكال حقوقهم جراء هجمات "إسرائيل" وازدادت معاناتهم أضعافًا مضاعفة. إذ إن الأشخاص ذوي الإعاقة في الأساس هم ذوو احتياجات خاصة نظرا لظروف الإعاقة، وفي ظل الهجمات المميتة التي تشنها "إسرائيل" تنعدم كل هذه الاحتياجات مما يشكل تهديدا خطيرا لحياتهم ويزيد ويضاعف آلامهم ومعاناتهم وتدهور حالتهم الصحية والنفسية. 

ويعد الأشخاص ذوو الإعاقة الحركية على وجه الخصوص المصابين بشلل في الأطراف السفلية الأكثر معاناة نظرًا لحاجتهم اليومية للمستلزمات الطبية ليتمكنوا من تسيير أبسط تفاصيل حياتهم. 

فيما الأشخاص ذوي الإعاقة من ذوي الشلل الرباعي وضمور العضلات هم بحاجة ماسة للكهرباء لأجهزة التنفس وكذلك لتشغيل فرشات الهواء السريرية وأجهزة طحن الطعام للتغذية السريرية، وهو ما يتعذر تلبيتها في ظل قطع إسرائيل إمدادات الكهرباء والوقود عن قطاع غزة منذ اليوم الأول لبدء هجماتها. 

ويؤكد رئيس شبكة الأجسام الممثلة للإعاقة (DRBN) "ظريف الغرة" أن ما سببته هجمات "إسرائيل" بحق الأشخاص ذوي الإعاقة في غزة تندرج في إطار الانتهاكات الجسيمة لقانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدوليين واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وقد ترتقي إلى جرائم حرب. 

ونبّه "الغرة" إلى أن "اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة"، التي صادقت عليها "إسرائيل" في عام 2012، تنص أن على الدول الأعضاء وفقًا لالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي، اتخاذ "كافة التدابير الممكنة لضمان حماية وسلامة الأشخاص ذوي الإعاقة الذين يوجدون في حالات تتسم بالخطورة، بما في ذلك حالات النزاع المسلح". فضلًا عن ذلك أكد قرار "مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة" رقم 2475 ضروري قيام جميع أطراف النزاع المسلح باتخاذ تدابير لحماية المدنيين ذوي الإعاقة؛ والسماح بالمساعدات الإنسانية وتسهيل وصولها بشكل آمن وفي الوقت المناسب ودون عوائق إلى جميع الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة. 

وعلى الرغم من كل الصعوبات، لا تزال الطفلة تسنيم تُحلم بأن تصبح طبيبة. فهي تُؤمن بأن التعليم هو السبيل الوحيد لتحقيق أحلامها. وترغب الطفلة الفلسطينية في الحصول على طرف صناعي يُساعدها على استمرار حياتها وتحقيق طموحاتها. 

وعرضت تسنيم تقريرًا طبيًا والنموذج رقم (ا) المخصص للتحويلات الطبية للعلاج بغزة، وقد انتهت للتو ولا تعلم متى تخرج للعلاج في الخارج وتركيب طرف صناعي واستعادة حياتها من جديد. 

لكنها تبقى كما حال أكثر من مليوني نسمة في قطاع غزة رهن إعادة "إسرائيل" احتلال معبر رفح المنفذ الوحيد للقطاع غزة مع العالم الخارجي عبر مصر منذ السابع من أيار/مايو الماضي لتبقى أحلامها مؤجلة حتى إشعار أخر.