تهافت أطفال بعمر الزهور، يقطنون في "النصيرات" أحد مخيمات اللاجئين وسط قطاع غزة، إلى بائع متجول يحمل في صندوقه البلاستيكي الأزرق، مثلجات ذات نكهات وألوان مختلفة.
يقصد الأطفال تلك المثلجات لعلها تطفئ لهيب حر أجسادهم بعد أن استعصت المراوح والمكيفات القيام بذلك منذ قطع الاحتلال كامل إمداد الكهرباء عن قطاع غزة منذ شن حربه في السابع من أكتوبر الماضي.
وعلى الرغم من بساطة تصنيع المثلجات إلا أنها في هذا الوقت لا تتاح إلا لمن يتوفر لدية أنظمة طاقة شمسية تمد الثلاجات وأجهزة التبريد بالكهرباء اللازمة.
يقول الطفل محي الدين عاشور لـ""، إنه يترقب مرور بائعي المثلجات أمام منزله فيحصل على مراده مقابل شيقل واحد.
ورغم زجر أسرة الطفل محي الدين له بعدم الإكثار من تناول المثلجات حفاظاً على صحته، إلا أنه ينجح في إقناعهم بأنها الوسيلة الوحيدة المتاحة في ظل ارتفاع حرارة الطقس وما يقابلها من تعطل المراوح عن العمل بسبب غياب الكهرباء.
وبابتسامة عريضة يسترجع الطفل بصحبة أفراد من عائلته كيف كانوا يقضوا الإجازة الصيفية في الاصطياف على شاطئ البحر والذهاب إلى المطاعم والحدائق العامة ومحال بيع الايس كريم والمثلجات في قلب مدينة غزة ويقارنها بأحوال الأطفال الصعبة اليوم.
ومنذ العام 2006 تعد الكهرباء إحدى الأزمات الرئيسية التي تواجه السكان في قطاع غزة عقب استهداف الاحتلال محطة التوليد الوحيدة والتعرض لخطوط الإمداد والتوزيع وعرقلة إدخال المحروقات.
ومنذ ذلك الوقت، ظلت أزمة الكهرباء تراوح مكانها، إلى أن اشتدت قبل ثمانية أشهر حين توقفت المحطة بالكامل عن العمل، صاحبها وقف الاحتلال تغذية القطاع بالكهرباء من جانبه.
في المشهد الثاني من عملية البيع، يوضح البائع سامي العثامنة الذي لا يتجاوز 14 عامًا أن والدته تصنع له المثلجات وتجمدها عند جيران لديهم طاقة شمسية مقابل مبلغ متفق بينهما.
الطفل عثامنة يجوب الشوارع نحو 8 ساعات يومياً وحتى يحافظ على بقاء المثلجات متماسكة يضعها في علبة بلاستيكية مخصصة لحفظ التبريد، مشيراً إلى أن المشتري يرفض شراء المثلج الموشك على الانصهار وبالتالي إعادة تجميده تكلفة أخرى على والدته.
ونوّه إلى توقف والدته قبل نحو شهر عن تصنيع المثلجات بعد شح السكر في السوق وارتفاع سعره، ولفت الى زيادة عدد بائعي المثلجات الذين يجدونها وسيلة تكسب سريعة.
وكانت محال بيع المثلجات والأيس كريم تشهد في هذه الأوقات رواجًا كبيرًا من الناس، وتوفر فرص عمل، لكنها اليوم متوقفة كلية عن العمل ومن يستطيع منها العمل يكتفي بصناعة "البراد".
وباتت مسألة توفير خدمة التبريد والتجميد مجال استقطاب بعض الشباب الراغبين في الحصول على فرصة تكسب وهو ما فعله الشاب محمد أبو كويك الذي تشارك مع اخوته في شراء لوحة طاقة شمسية.
وعلّق أمام منزله أنه يتوفر لديه خدمة تبريد المياه والعصائر واللحوم، وتبدأ الأسعار من شيقل إلى ثلاثة شواقل.
وإلى حين أن تضع الحرب أوزارها فإن أزمة الكهرباء ستلقي بثقلها على حياة الناس، حيث أن الحرب "الإسرائيلية" المسعورة على القطاع تسببت في دمار كبير جداً في شبكات التوزيع والخطوط، وهو ما يحتاج إلى تدخل دولي لتطويق الأزمة والإسراع في حلها.