فلسطين أون لاين

غزة... الطوفان والمحرقة

أسئلة برسم الإجابة؟

ونحن نعيش أيامها القاسية ولياليها الثقيلة المرعبة مع شعبنا العظيم في غزة العزة ومع ختام المحرقة شهرها الخامس نتساءل على ماذا ستنتهي محرقة غزة وارتداداتها التي تبلغ الافاق وتتعاظم وستزداد التكهنات بشأنها بعد أن ينجلي غبارها وتطفأ نارها اللاأخلاقية؟ وفي ظل لحظة الصدام والاحتدام، ومع ترسيخ القناعات بأنها نقطة تحول حقيقية في عالم يموج بالاضطراب وتغير في موازين القوى وسقوط منظومة القيم الغربية يُنذر بتغير في المشهد المألوف منذ النكبة وما قبلها؟ نطرح أسئلة برسم الإجابة لتجسيد مشهد ما بعد طوفان غزة ومحرقتها؟

لعل "صناعة الخوف" جزء من الفلسفة الأمنية الإسرائيلية للحذر من المستقبل حاولت تكرسه نهجا عبر استراتيجية كي الوعي في محررة غزة، ولمواجهة سيناريوهات عدة محتملة بما في ذلك نقطة الضعف الإسرائيلي المتمثلة في هشاشة الكيان الوظيفي المؤقت لذا يطلق الاحتلال التهديدات وكأنه يرسل تهديداً للأطراف يعبر عن مكنون الخوف الداخلي عبر فلسفة "صناعة الخوف"، ومن هنا كان تقديرنا المسبق وفي اكثر من مقال أن اندلاع الحرب وإضطرام نارها مسألة وقت لأن العقيدة العسكرية الإسرائيلية تقوم على عدم البقاء تحت التهديد الذي كام قائما ورسخه السابع من أكتوبر رغم اعتماده مؤخراً أسلوب الحرب الدفاعية,  حيث كانت قد دشنت سيف القدس مرحلة الحرب الهجومية وسبق بعد العصف المأكول وذكرت لكم في مقال سابق أنها اخر الجولات الدفاعية وأننا أمام نقطة تحول بأن (نغزوهم ولا يغزونا) فكانت طوفان غزة الذي كسر كل المعادلات وبعثر قواعد الاشتباك وخلط كل الأوراق.

فهل دشنت غزة بطوفانها ومحرقتها مرحلة جديدة في الصراع متحررا من عقدة خوف وعودته إلى سيرته الأولى حرب تحرير؟

 

والحرب الهجومية التي لا أتوقع أن يعود لها الاحتلال إن تم اعتمادها في هذا السياق فتستهدف إسرائيلياً إلى إحداث تغيير استراتيجي واستعادة هيبة الردع والمساهمة في تحقيق أهداف كبرى على غرار تشكيل شرق أوسط جديد. وستراعي الدولة العبرية في هذا السياق استراتيجيتها العسكرية في تحقيق حسم سريع في حرب خارج أرضها تحقق الإزالة التامة للتهديد، أو حرب "ضمان الانتصار"، وعلى قاعدة بن غوريون "(إسرائيل) مضطرة لخوض الحرب جولات.".

وكانت قد راجت قبل طوفان غزة شائعات (ربما تكون مدروسة) عن قرب شن حربٍ جديدة على قطاع غزة (يمكنكم الروع لمقال طوفان غزة: ضربة استباقية)، والسيناريو الذي كان يخطط له عند بعض الخبراء في ضربتها الاستباقية أن تقوم (إسرائيل) كما فعلت في عدوان 2008 بتوجيه ضربة جوية واسعة النطاق إلى قطاع غزة تستهدف كل الصف القيادي والمنشآت والأماكن الحساسة دفعة واحدة مما سيؤدي إلى إرباك حماس تماماً وشل قدرتها على الصمود والمقاومة. ومنطق الذهاب لهذا الخيار بعد إقرار متزايد بفشل متراكم في مواجهة غزة في كافة الجولات السابقة وعدم تحقيق أي من أهدافها الاستراتيجية، بل زاد البعض في تسمية هذه الحرب، واقتراح سيناريو جديد لهذا العدوان يعتمد على إخلاء المغتصبات المجاورة لغزة وربما الجنوب في ظل تزايد القدرة على تهشيم ما بعد الغلاف، وضمان تحقق النصر! ويترافق ذلك مع تشديد الحصار وتهديدات صهيونية عالية المستوى، خلاصتها أن "إسرائيل لن تتردد في مهاجمة قطاع غزة في عملية جديدة ستكون أكثر عدوانية وأكثر قسوة، فضلا عن تهديد نتنياهو بأنه "يعد لحماس مفاجأة ما لم تعد إلى رشدها وأن الجيش جاهز إلى عملية واسعة في غزة"... ومن هنا ربما جاءت طوفان الأقصى كضربة استباقية؟

فهل أنهت غزة بطوفانها ومحرقتها زمن العدوان الهجومي الإسرائيلي وضرباته الاستباقية؟

ضعف وهشاشة السلطة وسقوط برنامجها، والنزاعات التي تعتري مكوناتها، وعدم قدرتها على التوافق الداخلي، يمثل كذلك عنصراً بالغ التأثير على قرار العدوان والتصعيد حيث الاحتلال يتعامل مع سلطة المقاطعة أنها أحد مكوناته الإدارية والأمنية يبدو متمسكا أكثر من أي وقت مضى ببقاء سلطة محدثة غاية وجودها تنسيق أمني تحقق أهدافه في ضم الضفة وتهويد القدس وتحافظ على احتلال خمس نجوم ودون فاتورة، مما جعل مؤخرا الأولوية الأولى لدى حكومة أمريكا في ظل المحرقة حل أزمة السلطة المالية بإنفاذ المقاصة.

 إن طوفان الأقصى كان زلزالاً بمعنى الكلمة حيث أحدث حالة تمايز برامجي غير مسبوق فلسينيا وعربيا بل ودوليا، حيث فلسطينيا تكشف لكل ذي عينين أن سلطة التنسيق الأمني تمارس تواطؤًا متزايدا ومكشوفا مع الاحتلال الصهيوني في جرائم مشتركة. فضلا عن حجم التواطؤ في ظل قضايا كبرى كالوحدة الوطنية والإعمار والحرص على مصلحة الشعب الفلسطيني، إلا أن السلطة ورئاستها لن تستطيع احتمال زلزالٍ آخر من نفس النوع قد يفضي إلى انهيار السلطة الفلسطينية وإعلان سقوط أوسلو بشكل نهائي، وسقوط برنامج التنسيق الأمني في الضفة والذي تحرص عليه "إسرائيل" كحجر زاوية في العلاقة مع الفلسطينيين. أما إدارة بايدن فقد اعتمدت سياسة ضغط على سلطة أوسلو التي تلهث مستجديه الركوب مجددا بقطار تسميه مفاوضات تسوية لم يبق من اسمه إلا تنسيقه الأمني. وتسعى أميركا في هذا السياق إلى اعتمادها وكيل لإدارة غزة بعد حرقها وتسميها سلطة متجددة لإرضاء غرور نتنياهو.

ووفق معلن أمريكا وسعيها الدؤوب يذهب سيناريو إنهاء المحرقة باتجاه إعادة الشرعية لفريق أوسلو على قاعدة إتمام مشروع صفقة القرن مع غبار كثيف عنوانه حل الدولتين الذي قبرته أمريكا و(إسرائيل) منذ مدة, ولا يستطيع بايدن مهما زعم أن يتراجع عنه فالوقائع على الأرض في تهويد القدس وضم الضفة وترسيخ مشروع حكم ذاتي جوهره تنسيق أمني وفريق مقاطعة يختزل الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية في شكل وهمي لسطلة يتوارثها الاباء مع الأبناء تجاوز بروبجاندا بايدن الذي يريد أن ينجو بدورة رئاسة جديدة ببيع الوهم والسراب والاغتسال من عار محرقة غزة الذي أنهى بها حياته ولوث سمعة أمريكا. وبالتأكيد كل التحركات الامريكية وفق التقدير تصب في سياق الوصول إلى ساحة فلسطينية تختفي فيه حماس تماماً من المشهد والعودة إلى مسار أوسلو وأنابوليس بمسمى حل دولتين ولكنها هذه المرة دولة فلسطينية وفق خارطة صفقة القرن.

فهل تنهي غزة بطوفانها ومحرقتها سلطة أوسلو ومشروع التسوية؟ أم تعيد استنساخها كما يريد بايدن سلطة متجددة؟

وفي سياق منفصل، أثبتت حماس قدرتها على الصمود بل والمبادرة خلاف كل التوقعات وخارج أي حسابات ذاتية ومصلحية ضيقة، والمحرقة المجرمة، وكذلك قدرتها على بعثرة الأوراق عبر مسيرة متصاعدة من الصمود والقدرة المتزايدة على الإيلام، وكذلك أثبتت قدرتها على الحكم والضبط والسيطرة والمقاومة في غزة بحده الأدنى والحفاظ على الاستقرار وتقديم الخدمات لكافة مواطنيها مع تحسن في عدد منها، والقدرة على ضبط الأمور برغم قلة الإمكانات وتواضعها كما أفادت إيكونومست في أحد تقاريرها قبل المحرقة.

حماس تتطور وتتعلم من دروسها وبشكل تراكمي وعبر جولات الصراع أظهرت تطورا لافتا (راجع مقال الكاتب في تطور الأداء العسكري للقسام)، واكتسب الشعب الفلسطيني المجاهد الخبرة والقدرة الفائقة على امتصاص الضربات الموجعة والتعامل مع نتائجها في صبر وصمود ومن ثم قدرة على إيلام الاحتلال. وربما تكون المقاومة قد تمكنت من إدخال أسلحة جديدة فضلا عن كثافة النيران التي وصلت إلى مئات الصواريخ في دقائق قليلة وتطوير مدهش للأسلحة محلية الصنع وصلت إلى عياش250، والتقارير الصهيونية تشير إلى تخوفات من تصاعد قدرات المقاومة وأنها قد بدأت مسار الإخلال بالتوازن، والإخلال الأكبر نوعية الكادر البشري والجرأة المتناهية وتغيير قواعد الاشتباك وذلك بعضا من مشهد الطوفان والصمود الأسطوري في المحرقة.

مواجهة هذه المحرقة النازية الفظيعة لا يتم بالطرق التقليدية وفق جولات التعيد السابقة فالمشهد فاق كل تصور وفعلا كأنه مشهد نهاية العالم. وبالتأكيد لا خيار إلا بالدفاع عن غزة وأهلها وذلك يقينا أولاً بحسن التوكل على الله تعالى، ومن الواضح ان حماس اعتمدت الحكمة العسكرية التي تقول: "إذا أردت تجنب الحرب فيجب أن تستعد لها"، فاستعدت بما تستطيع. والمتابع للأداء حتى هذه اللحظة ربما يقدر ان حجم الانتقام واللاإنسانية والسادية من مجرمي الحرب بقيادة نتنياهو لم يكن متوقعا لدى حماس، ومن جانب اخر ضعف التركيز على الجبهة الداخلية والفاتورة التي تدفعها فضلا عن تأمين هذه الجبهة بالأمن الغذائي والصيانة الداخلية والحماية، وجزء من ذلك استمرار الملاحقة المركزة والواعية على العملاء والمفسدين، فضلا عن رص الصفوف في غزة لمواجهة المحرقة ونتائجها اجتماعيا بتكافل وتأمين مخطط. والمزيد من العمل المنظم والمكثف على فتح القنوات الدولية للاتصالات مع الجهات الرسمية وغيرها، وحشد أكبر دعم شعبي لوقف إطلاق النار.

فهل دشنت غزة بطوفانها ومحرقتها حماس قائدا للمشروع الوطني للتحرير؟ وهل أحسنت إدارة هذه المرحلة التاريخية؟

 

لقد مثلت محرقة غزة ومن قبلها جولات العدوان على غزة تعرية غير مسبوقة في التاريخ للعنصرية الصهيونية، مما أدى إلى دعوات متجددة لمقاضاة القادة الصهاينة بتهم جرائم الحرب في غزة والتي فاقت التوقع لتمثل حرب إبادة عبر البث المباشر فكانت المحرقة الفاضحة للاحتلال وأدعياء الإنسانية التي اسقطت محرقة غزة ورقة التوت الأخيرة عنها، وهو ما يعني تحقق إساءة الوجه "ليسوؤوا وجوهكم "، وكذلك نزع الشرعية الأخلاقية كمقدمة لسقوط صورة دولة العدو كدولة ديمقراطية أوروبية الثقافة في الشرق الأوسط كما كان يروج لها بن غوريون ومجرم الحرب نتنياهو. جراء هذه المحرقة وما شهدته البشرية من إبادة جماعية لغزة وأهلها رفعت جنوب أفريقيا دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية تتهم عصابات الإجرام بتهمة الإبادة الجماعية.

فهل دشنت محرقة غزة مرحلة محاكمة دولة الجريمة الإنسانية والتمهيد لنظام دولي أكثر عدالة وإنسانية؟

"إن (إسرائيل) فشلت في تحقيق أهدافها في حروبها على غزة" قاعدة حكم متراكمة وتوجتها غزة بطوفانها ومحرقتها يتحدث عنها بشكل صريح اهل السياسة من قادة الاحتلال وكذلك أهل الفكر والقلم. علاوة على حكومة نتنياهو المتطرفة وتباين المواقف داخلها "تحسبهم جميعا وقلوبهم شتي" ما يدفع باتجاه اللاموقف في مواجهة غزة، ولأن فشلاً مدويا في السابع من أكتوبر وما بعده أطاح بالبقرة المقدسة (الجيش) الذي كان قائما على الأسطورة، خاصة بعد أن أثبتت غزة أن قواعد الاشتباك الصهيونية وكثافة النيران وجرائم الإبادة لا تحقق الانتصار أو يمكن بناء معادلة على أساسها، مع أخذ الانتباه جيدًا أن الكيان المؤقت سيحاول استعادة الهيبة مجددا بعد سقوط جيش الاحتلال الأسطوري والذي كان عمود كيانهم المؤقت وسقط كما سقطت عقيدة الجدر، مما يُشكل حالة هزيمة متزايدة على كل الصعد. ولا ينبغي بحال إغفال التحليلات العسكرية لأهم الخبراء العسكريين الإسرائيليين الذين يؤكدون عودة الحاجة لدى (إسرائيل) إلى استعادة الهيبة التي تهاوت كبيت خرب على أعتاب غزة مما يبقي الاحتمال بتوجيه ضربات قاسية لحماس تستهدف صفها القيادي وكافة مكوناتها. رغم أن العدو قد أيقن أن القضاء على حماس بات أمراً مستحيلاً، ولهذا فربما تكون قيادة الاحتلال أمام استحقاق البحث عن مسارات جديدة صهيونية للتعامل مع حماس. وربما في هذا السياق تأتي محاولة ربط الملف الإيراني بملف قدرات حماس؟ ومن جهة أخرى محاولة تجييش عرب التطبيع ضد إيران وبالتالي ضد "حماس"، ومن حيثيات هذا التجييش القضاء على حماس، ونسمع أصواتا عربية وأميركية وصهيونية تعزف نفس النغمة، وهي أن "إيران لا تدعم الاستقرار في المنطقة".

فهل أنهت غزة بطوفانها ومحرقتها الزمن الإسرائيلي والتطبيع الذليل؟

أزمة مالية متوقعة في أمريكا، وفشل في لبنان وسوريا، وفي الملف النووي الإيراني، وفي كبح جماح بوتين، وفي الملف الكوري، وفي تعطيل التنين الصيني بين كل ذلك، أميركا تعيش أزمات خانقة فورطتها (إسرائيل) في محرقة غزة والتي قد تكون قاصمة الظهر حيث جاء بايدن وأركان إدارته مع خطاب بلينكن بيهوديته ليقود محرقة غزة. رغم قرار بايدن والإدارة الأميركية بالانكماش داخليًا وتلتفت لحل أزماتها ولذلك قراراتها الأولى الخروج من مآزق العراق وأفغانستان حتى لو تسلمتها إيران وطالبان، ولم يكن من المتوقع استدارة أمريكية مفاجئة تتجه إلى منطق مختلف عن منطق القوة الذي ساد في سنوات بوش في التعامل مع العالم. ورغم أنه قد تعالت أصوات أميركية ومنها يهودية ناصحة بضرورة فرض السيناريو الأمريكي في إدارة الصراع في الشرق الاوسط على (إسرائيل) كي تنجو أميركا من مستقبلها ويتم إنقاذ (إسرائيل) من نفسها كما تحدث "سيغمان" في دراسة سابقة.

ومن جانب اخر تتزايد المؤشرات الميدانية والتحليلية أن إسقاط حماس بالضربة القاضية لم يعد خيارا وأن هذه المغامرة ستكون المسمار الأخير في نعش (إسرائيل) التي ستكون قد تعجلت نهايتها والتي يتوقع مفكروها ألا يزيد عمرها عن العقد الثامن.

فهل دشنت غزة بطوفانها ومحرقتها حقبة نهاية عهد وحيد القرن؟ ودقت مسمار أول في نهاية (إسرائيل)؟

 

التطورات المتلاحقة لمشهد نهاية العالم الذي صاعقه انطلق من محرقة غزة، والتعاطف الدولي والإقليمي مع غزة القادم بقوة إلى الملف الفلسطيني، تخشى مصر في أن تتفاقم الأوضاع في غزة مما يؤدي إلى تهديد أمنها القومي فعليًا في ظل التهديد المروع في الأمن القومي المصري الذي بوابته على مدار التاريخ كانت غزة، ومن ناحية أخرى تخشى أن تنسحب الملفات من بين أيديها إلى دول إقليمية تتقدم بقوة. وفي ذات السياق يجب أن نأخذ في عين الاعتبار الحرج جراء الحالة الإنسانية المتفاقمة في غزة بينما معبر رفح الإذن بدخول زجاجة ماء إسرائيلي بينما أكبر دولة عربية تقف تنتظر إذن السماح. في حين انتفض العالم في قاراته وفي قلب واشنطن مع محرقة غزة ومازال أهلها يعيشون معاناة متفاقمة بينما الشقيق الأكبر ينتظر. وبالطبع تعي مصر ما آلت إليه الأوضاع في غزة، وتعي أيضًا أن حماس أصبحت عصية على الكسر بل وتغدو لاعبا دوليا وليس إقليميا فقط، وهي في موقف أفضل بعد صمود غزة المبهر في وجه الحصار والعدوان والمحرقة. وليس بعيداً بالطبع عن ذلك مسألة القناة البديل عن قناة السويس فضلا عن جرح سد النهضة الذي لم يندمل والابتزاز الذي تمارسه الولايات المتحدة ودولة العدو الصهيوني بهذا الخصوص، مما يستدعى دفاعا مصريا غير مسبوق عن غزة (يمكن العودة لمقال سابر حول علاقة مصر بقطاع غزة) مع سعي حثيث لتهدئة المسرح السياسي في المنطقة عبر محاولات صامتة لاستئناف المفاوضات مع الاحتلال بالضغط على عباس وأن تكون جزء من صفقة وقف إطلاق نار وعملية تبادل واسعة.

فهل شرعت غزة بطوفانها ومحرقتها الأبواب أمام مصر لتعود لأصل دورها؟ وهل ألغت التهديد لقناة السويس والتي تمثل مهدد استراتيجي لمصر؟

في خطوة هروب إلى الأمام، ووفق كثير من التقديرات التحليلية، فإن محرقة غزة تُسرع في الحرب الإقليمية بل والعالمية الشاملة، ويمكن أن يُعزز هذا السيناريو متغير بسيط إضافي لا يمكن لأطراف المعادلة إغفاله رغم أن (إسرائيل) تحرق غزة بأطفالها ونسائها وشجرها وحجرها بعنجهية وعبر البث المباشر وليس من سبب أكثر من ذلك ليتحرك ما يعرف بمحور المقاومة؟! والتريث لا يعني بالمطلق أن هذا السيناريو قد سقط؛ ربما لأنه ببساطة لم يكن بمقدور (إسرائيل) عبر هجومها الانتقامي قد استعادت الهبية المترنحة في السابع من أكتوبر، وربما لان لذلك تداعيات كبيرة على مخططات ضرب المنشآت النووية الإيرانية وخاصة مع إشارات بهذا الاتجاه قبل السابع من أكتوبر حيث تم تقديم موازنة استثنائية بقيمة 90 مليار شيكل قدر بن مناحيم أنها استعدادا لضرب إيران والتي كان يتوقع على نطاق واسع أن تنشأ بسببها حرب إقليمية كبيرة وخاصة في حال ردت إيران على العدوان الإسرائيلي. وكان يصاحب ذلك الخشية الإسرائيلية من اشتعال الجبهة الشمالية خصوصاً في لبنان وسوريا، حيث تشير بعض التقارير الاستخبارية الإسرائيلية إلى أن تزامن الجبهات ودخولها جميعا اتون معركة حاسمة تزايد بشكل كبير في الآونة الأخيرة وخاصة مع رفع مستوى التنسيق بين حماس وحزب الله بشكل لافت، وكان متوقعا لدى تقديرات الاحتلال أن حماس لن تتردد في دخول هذه المواجهة. هل يذهب العدوان المسعور والمحرقة يفتح الباب إلى حرب إقليمية تمثل نقطة تحول في المنطقة والعالم؟

فهل أفشلت غزة بطوفانها ومحرقتها خطط ضرب المشروع النووي الإيراني؟ وهل تتصاعد محرقة غزة إلى حرب إقليمية؟

حرب الوجود الثانية، حرب البقاء الثانية، حرب الاستقلال الثانية... هتف كل أقطاب دولة الكيان المؤقت مستشعرين حجم وثقل ما خلفه الطوفان من ندوب في وجوههم وعلى أيديهم يقطر دم محرقة القرن 21, وبمزيد من الايغال والقتل والحرق في غزة قد يشفي غليل فشلهم الميداني وسقطوهم العسكري وتهاوي صورة كيان هش, وفي أزقة غزة وبين بيوتها المدمرة وطرقها المجرفة ومحرقتها المشهودة تجدد هذا السقوط المدوي, على يدي شباب حر أبي في مقتبل عمرهم آمنوا بربهم وزدناهم هدى وهيبة ليكمل هدم ما تبقى من صورة جيش زعموا أنه لا يقهر. هؤلاء الشباب ربما قلة منهم من أدركوا عظيم فعلهم وأنهم يدشنون مرحلة حرب التحرير ويطلقون حقبة جديدة للتاريخ يريدها أباطرة الاحتلال النكبة الثانية، فإذا هي حرب التحرير الجادة الأولى أرادوها محرقة فإذا هي نور تضئ ليل العالم المظلم بظلمه. أعلنها كبرائهم أنها حرب الاستقلال الثانية فإذا هي حرب استقلال فلسطين، نعم أنها معركة وجود وبقاء ومؤشراتها تشي من سيبقى ... ويبني كياناً ومن سيفنى ويعود من حيث أتى... 

فهل دشنت غزة بطوفانها ومحرقتها حرب التحرير الفلسطينية أم أنها النكبة الثالثة؟

غزة بطوفانها ومحرقتها أثقلت المرحلة العربية بسؤال النخوة والشهامة والرجولة المسلوبة على مدار عقود من محطات التغريب وغسيل الأدمغة وسلب إرادة الحياة وتغييب الوعي وسيادة الروبيضة. غزة المحرقة على مدار الساعة عبر البث المباشر تلتقطها الجماهير العربية في مغرب ومشرق العالم العربي الإسلامي برتابة وحيرة ومترددة وسؤال المبادرة العاجز إلا من صورة قلقة لا تتسق مع محرقة القرن ال21 بالخروج كل جمعة أو سبت للهتاف لغزة التي لم يوقف محرقتها صوت مهما كان مرتفعاً ولكنه على كل حال يعذرون أنفسهم بأن قدموا شيئاً.

وتكتشف جماهير المليار والنصف أنها تمثل العجز والوهن الذي قرع أذاننا في عهد المغول وغيره وأنهم أموات ولا حياة نابضة بالعزة والكرامة وإرادة الفعل ومبادرة اليقظة الا في غزة التي يطرق دمها كل الأبواب ويسيل شلاله في شوارع عالم عربي ومسلم عله يغسل أدران ما علق بها من ماضي وحاضر وعله يلهم صورة المستقبل لفعل عربي ينتفض غيره وشهامة وإنسانية قبل ان ينتفض اخوة ودفاع عن نفسه حيث غزة أخر الحصون وعمود خيمة العزة العربية الوحيدة بعد ان سحقت عظام ربيع العرب.

فهل تدق غزة بطوفانها ومحرقتها جدار الخزان العربي؟