استفاق أهالي قرية مردة صبيحة الجمعة الفائتة على نيران حقد المستوطنين وهي تحرق مسجد "برِّ الوالدين" قبيل صلاة الفجر بنصف ساعة، فهرعوا جميعًا لإخماد النِّيران المشتعلة مصمِّمين على أداء الصَّلاة في ميعادها في تحدّ لعنصريَّة المتطرِّفين وحماية جيش الاحتلال لهم.
فلم تكن حادثة حرق المسجد سوى "غيض من فيض" من ممارسات الاحتلال ومستوطنيه العنصريَّة تجاه أهل القرية الواقعة شمال محافظة سلفيت وتفصل بينها وبين محافظة نابلس، لكنَّها كانت تطوُّرًا لافتًا في مستوى الإجرام الممارس بحقِّ أهل القرية.
المستوطنون تخفَّوا بليل وكسروا الباب الغربيَّ للمسجد وخطوا شعارات عنصريَّةً على جدرانه، تمثَّلت في "الانتقام" و "الموت للعرب" و "سنحرق المسجد ونبني الكنيس"، وما أن لمَّح أهالي القرية الَّذين كانوا يستعدُّون لصلاة الفجر النِّيران تنبعث من المسجد حتَّى سارعوا لإطفائها، رغم أنَّ قوَّات الاحتلال أحاطت بهم محاولة منعهم من إخماد الحريق!.
ولم تكن هذه الحادثة الأولى- كما يوضِّح نائب رئيس المجلس القرويِّ نسفت الخفش- فسبقها اقتحام جيش الاحتلال لمسجد "مردة الكبير" أثناء أداء المصلِّين لصلاة العشاء واعتقالهم جميعًا، وإجبارهم على مغادرة المسجد حفاةً، ونقلهم لمكان في غرب البلدة والتَّنكيل بهم دون مراعاة للسِّنِّ.
وهذه الاعتداءات هي جزء من "عقاب جماعيّ" تمارسه قوَّات الاحتلال بحقِّ أهالي القرية الَّتي اقتطع أكثر من نصف مساحتها لصالح مستوطنة " أرئيل " ثاني أكبر مستوطنة بالضَّفَّة الغربيَّة، وبذلك صادر مصدر رزق أهلها الأساسيِّ وهو الزِّراعة.
فبعد أن كان أهل القرية – وفق الخفش- يمتلكون كروم العنب والتِّين واللَّوز والزَّيتون فقدوا معظم أراضيهم وما زال الاحتلال يلاحقهم على ما تبقَّى من خلال أوامر "وضع اليد" أو المصادرة لأسباب أمنيَّة حتَّى أنَّه صادر مؤخَّرًا ألف دونم من الزَّيتون وبنى أمامها جدارًا فاصلاً حرم أصحابها من الوصول لها.
وقد حول الاحتلال القرية لسجن كبير بعد أن أغلق مداخلها الشَّماليَّة والغربيَّة والجنوبيَّة ولم يبق لأهلها منفِّذ للتَّنقُّل إلَّا عبر بوَّابات حديديَّة في الغرب والشَّمال الشَّرقيِّ وهي أغلب الوقت مغلقةً ممَّا يحول دون خروج الأهالي والطَّلبة لأعمالهم وجامعاتهم.
ولم يتوقَّف الأمر عند هذا الحدِّ، بل إنَّ إخطارات الهدم ووقف البناء انهالت على أبناء القريَّة في العامين الأخيرين حيث وصل عددها لخمس وثلاثين إخطارًا لبيوت يزيد عمر بعضها عن الأربعين عامًا، ويواصل أهالي القرية النِّضال القانونيُّ أمام محاكم الاحتلال لإنقاذ بيوتهم من الهدم.
ولا يحبُّ أهالي القرية حلول اللَّيل الَّذي يحمل لهم غالب الوقت مداهمات من قبل قوَّات الاحتلال ومستوطنيه للقرية وبيوتها وإطلاق الرَّصاص الحيُّ وقنابل الغاز وتكسير الممتلكات وتحويل البيوت لمراكز تحقيق ميدانيّ للشَّباب والتَّنكيل بهم خاصَّة في فصل الشِّتاء ومن ذلك تركهم في العراء مكبَّلي الأيدي.