فلسطين أون لاين

غزة... الطوفان والمحرقة

ماذا بعد؟

مطلوب من الكل الفلسطيني العمل على توحيد الاستراتيجية الوطنية من أجل استثمار ما ترتب على غزة الطوفان من آثار وتداعيات لا زال الشعب الفلسطيني خاصة في غزة يعيش مرارتها مع الانتباه لمشاريع إضاعة للأرض وتهجير الإنسان.

أثبت الفلسطيني مع ملحمة غزة الطوفان أنه قادر على تقديم الأفضل في مواجهة مشروع الكيان الوظيفي الذي دشنته منظومة الظلم الدولية، وما زالت الفرصة سانحة للمزيد، فاليوم فلسطينيًا المطلوب أكثر من أي وقت مضى، وبعد تفاقم أثار محرقة غزة، وباتخاذ خطوات للتهجير وتدشين مرحلة النكبة الثالثة فعلا على الأرض والتي هي إعلان تمديد 100 سنة اخرى لوعد بلفور وأيضا كما تذكرون, تعمد ترمب إطلاقها بعد 100 سنة وفي ذات تاريخ دخول اللنبي القدس في ديسمبر 1917 ثم تعمد نقل السفارة في 14 مايو2018 في ذكرى 70 سنة على النكبة الثانية معلنا الرغبة الجامحة في تصفية القضية الفلسطينية والتمديد لبلفور، خاصة في مرحلة تفتح أبواب عواصم عربية لاستقبال قادة الاحتلال ووزرائه ووفوده، وقد بلغ التطبيع حينه مستوى غير مسبوق من المجاهرة بالخطيئة.

ومن هنا، مواجهة نتائج غزة الطوفان تكمن في الحفاظ على القضية الفلسطينية من التصفية اليوم، وكذلك إبطال مشاريع الاستنساخ والتقسيم والتهجير والتطبيع، وإعادة الاعتبار للمنطقة، لحماية فلسطين من ضياع مداه الزمني الطويل، ويمكن إيجاز مسارات فلسطينية مهمة لاستثمار نتائج ملحمة غزة:

1. القدس والأقصى والتي مثلت المفجر لطوفان غزة تتعرض لأقسى الهجمات عبر التهويد المستعر، وهذا يحتاج منح #القدس (عاصمة فلسطين) أولوية إسنادها سياسياً، واقتصادياً، ومالياً، ومؤسسياً، وفردياً، مع الاستمرار في فضح ومواجهة الممارسات الصهيونية، والأمريكية، كون الصراع مع الاحتلال يتعاظم في بعده العقائدي، حيث تشكل القدس محور ذلك الصراع خاصة منذ مر إعلان القدس عاصمة الدولة اليهودية واستمر بايدن على نهج بلفور وترمب فقدم للكيان الوظيفي كل الدعم لاستمرار مشروع شطب القدس والأقصى. وفي المقابل أعلن شعب فلسطين وفي القلب غزة العزة مجددا بعنفوانها الكبير طوفان الأقصى مؤكدا ألا معنى لفلسطين ولا لدولة فلسطينية دون القدس عاصمة والأقصى بوصلة، ومتقضى الفعل إذا كان حقا ما يزعمون من تبني حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية فهذا برهانه تراجع أمريكا الفوري عن إعلان القدس عاصمة للكيان الوظيفي والإعلان عن القدس عاصمة لدولة فلسطين وبدء إجراءات سحب المغتصبات من القدس الشرقية.

2. تحرير الأسرى وقد مثل الأسرى العنوان الثاني لطوفان غزة وهؤلاء الآلاف من رجال فلسطين الأوفياء قدموا عشرات السنوات من زهرة عمرهم في طريق التحرير والعودة، وخاضت الثورة الفلسطينية ملاحم عدة لإطلاق سراحهم كانت أعظمها وآخرها ملحمة وفاء الأحرار. وتعنت حكومة دولة الكيان الوظيفي الفاشية منذ 2014 منعت إطلاق سراح دفعة جديدة منهم، واليوم مع حصيلة طوفان غزة من الأسرى بيد المقاومة فإن تبييض السجون وتحرير كافة أسرى فلسطين مسار عاجل.

3.إسقاط مشاريع التهجير والتمديد لبلفور والنكبة التحولات الإقليمية والاضطراب الذي تحياه المنطقة لا ينبغي أن يكون على حساب فلسطين، وقضتيها، وذلك يحتاج استراتيجية عربية موحدة لأكبر عدد ممكن لمواجهة التحديات التي تهدد الأمن القومي العربي وخاصة المصري والاردني، وذلك عبر عمل عربي مشترك ومسار سياسي موحد، ومن هنا دعوتنا لإتلاف قائمة، وتبنيها المباشر للقضية الفلسطينية على أساس مشروع فلسطيني عربي إسلامي جامع عنوانه سقوط مشاريع التجديد لبلفور والنكبة الثالثة وتشكيل (حلف العودة)، والتصدي للحملة الدعائية اليهودية، وتشكيل لوبي لمواجهة استهداف الوعي العربي عبـر دبلوماسية رسمية، وشعبية، وما يحقق إسناداً لهذا السلوك منظومة علاقات دولية خاصة مع الشعوب الغربية التي بدأت تنضح بفعل الدماء الطاهرة في محرقة الأبرياء في غزة لصالح الحق الفلسطيني رغم سنوات التشويه والتشويش الإعلامي، عبر الاستحواذ اليهودي الإعلامي على إمبراطوريات الدجل الإعلامي.

4. إقامة دولة فلسطينية في حدود قرار التقسيم 181 أو خط الهدنة 1948 وعاصمتها القدس دون التفريط أو إعلان التنازل عن بقية الأرض الفلسطينية يمثل محطة مهمة لتجسيد محطة من الحلم الفلسطيني، ومن أعظم ثمار غزة الطوفان أعادت للجميع عقلهم في رأسهم بعد سكرتهم في صفقة القرن والتطبيع والسلام الاقتصادي، وعلموا يقينا أنه لا مجال لتجاوز الحق الفلسطيني، وإلا سيخرج عليهم طوفان متجدد لن يعرفوا مداه في المرحلة القادمة فقد يغرقهم. والدولة المنشودة محطة مهمة باعتبارها الحاضنة للحلم الفلسطيني في ظل التيه في صحراء العرب ومنظومة الظلم الدولية، وقد تمثل مأوى لهذا الحلم في إعادة دورة الزمن لصالح الحق الفلسطيني، وإبطال مسار التمديد لوعد بلفور عبر بايدن باعتبارها أرض فلسطينية محررة رغم حجم العدوان. وحال صدق الزعم الأمريكي والغربي الذي ما توقفوا عن تكراره بحل الدولتين بإعلان اعتراف صريح من منظومة الظلم بقيادة أمريكا بدولة فلسطين على حدود قرار التقسيم أو بحده الأدنى في حدود خط الهدنة 1948.

5. البيت الفلسطيني وترميمه وتوحيده مشروع وطني، ومجتمعي يعالج آثاراً مدمرة للقضية الفلسطينية على أساس نظامٍ سياسي موحد عنوانه إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية محلياً، وعربياً، ودولياً. ومنطلق ذلك تصويب علاقة المنظمة بالسلطة، وإعادة بناء منظمة التحرير كمرجعية على أساس برنامج وطني لإدارة الصراع بقرار فلسطيني مستقل بعيداً عن العصبية الفصائلية والنزعة الفردية، وعبـر استراتيجية وطنية تتصف بعمق عربي، ومحاكمة الاحتلال وفضحه دولياً من أحد الأدوات المهمة لتحقيق أهدافها. ومطلوب مشروع وطني جامع لمواجهة محاولات التجديد لبلفور وآثاره الممتدة إلى بايدن وترعاه منظومة الظلم الدولية. والسياسة الفلسطينية تحقق الأهداف بالوحدة وإلغاء أوسلو، واعتماد برنامج وطني جامع، ورفع الغطاء عن الأطراف العربية التي طبَّعت مع الاحتلال ودعوتها إلى التراجع عن التطبيع الضار بهم وبالقضية.

6. رعاية شعب غزة العظيم يستقر ويتعافى شعب غزة العزة بعد آلاف المجازر وحرب الإبادة التي واجهها وذلك بتقديم رعاية خاصة تضمد الجرحى وترمم البنيان وبالعموم بتحقيق العدالة المجتمعية، وتوفير مقومات الصمود، والحياة الكريمة، وإسناد غزة عبر عمق اقتصادي مستدام بشتى القطاعات، ولكافة شرائح المجتمع. وهنا يجدر التذكير أنه قد واجهت غزة في ملحمتها النزيف المستمر والتدمير الهمجي وحرب استئصال عنصرية، فكانت نموذجا ملهما وأثبتت أنها حاضنة الحلم الفلسطيني وراعية القضية وقد تحملت عبئها كاملا فداء للأسرى والمسرى. وجدير التذكر أن محرقة غزة جاءت بعد مراحل أزمات متتالية من حصار، وانقسام، ومقاطعة، وعزل، وعدوان. والنتيجة العاجلة والقطعية ومقتضى الموقف الدولي حده الأدنى الإعلان رسميا عن رفع الحصار نهائياً عن غزة الذي ليس له مسوغ أخلاقي أو قانوني أو سياسي.

7. العمل عبر كافة ساحات التواجد الفلسطيني عبر منظومة متناسقة متعاونة إيجابا لا متناحرة سلبا في توزيع أدوار محدد ومتفق عليه وضمن رؤية شاملة لمساحة التأثير في كل ساحة مع توظيف أمثل لنقاط القوة فيها وعدم الدخول في أي صراعات جانبية مع أي من ساحات الفعل وإنما تحشيد لوبيات إسناد للقضية ومظلومية شعب فلسطين كمسار تحمل عبء القضية بشكل متوازن بين كافة مكونات الوجود الفلسطيني، وجدير هنا الإشادة بدور متعاظم لمساهمة الشعب الفلسطيني اللاجئ في لبنان لتحمل فاتورة وعبء القضية وكذلك ضفة الإباء التي تنهض من تحت الركام بكل عنفوان. مطلوب توحد ساحات الفعل النضالي الفلسطيني بعيدا عن الشعارات وتحمل العبء النظري والإعلامي فقط لهذا العبء الكبير الذي منذ عقود تحمل غزة وحيدة الفاتورة شبه كاملة.

8. إفشال حكومة الكيان الوظيفي الفاشية التي تتجسد عبر تهويد القدس وضم الضفة وحصار غزة والاستيطان، والجدار، ويهودية الدولة، والتطهير العرقي، حيث يعتمد الاحتلال مشروع الحل الإقليمي، والسلام الاقتصادي، وهذا الخيار كان هو السائد ما قبل غزة الطوفان¸ ومن أهم نتائج الطوفان ومحرقة غزة سقوط نتنياهو وحكومته الفاشية ومطلوب ألا تعود أبدا مثلها، وللتأكيد يدعم بايدن بهدوء مع غبار إعلامي بحل الدولتين ساعياً لفرض حل عنصري، وعلى حساب الحق الفلسطيني في أرضه، واستقلاله، ومواجهة هذا المشروع الخطر مسؤولية وطنية تشمل الكل الفلسطيني.

9. يمثل التواجد الفلسطيني في داخل الأرض المحتلة48 إشراقة أمل على طريق اسقاط مشاريع التهويد والأسرلة، حيث أنه دليل أثبات للوجود الفلسطيني رغم حملات التهجير والتطهير. ورسالة الوجود الفلسطيني فضلاً عن إسقاط دعوى شعب بلا أرض لأرض بلا شعب، فإنها أيضاً تثبيت للوجود الفلسطيني الذي يمثل تهديد دائم من قلب الكيان الوظيفي لوجوده، فضلاً عن القيمة المترتبة على تذكير الاحتلال والعالم أننا باقون ما بقي الزعتر والزيتون، وهذا يستدعي رؤية لتوظيف الوجود الفلسطيني في إطار معركة مواجهة التمديد لمشروع النكبة والتهجير.

10. غزة الطوفان ساهمت كثيرا في توفير فرصة لإعادة بناء منظومة علاقات فلسطينية خارجية على الرغم من كثير العقبات التي شابت هذه العلاقة في فترات متقطعة. وكذلك بناء شبكة العلاقات الكبيرة غير الرسمية والشعبية بمنظومات العمل غير الرسمي والجماهيري وكذلك أحدثت اختراقاً على جبهات عدة ورغم العداء الأمريكي المتزايد الذي خاض معركة طوفان الأقصى بشكل مباشر وشرس. ومهم في هذا الصدد توظيف الجاليات الفلسطينية باعتبارهم سفراء دورها تجاه القضية. والحاجة قائمة إلى استثمار نتائج غزة الطوفان وتثبيت منهجية في بناء العلاقات الدولية على أساس من منظومة محور الحلفاء والأصدقاء والخصوم والأعداء وسبل الانتقال بينها مما يدعم القضية ويحتضنها وسبل تحقيق اختراقات سياسية جديدة لصالحها بعد أن رسخت طوفان الأقصى قضية فلسطين ومنحت أهلها لقب لاعب إقليمي مركزي والتحدي قائم بالحفاظ عليه وتعظيمه؟

النضال الفلسطيني في محطته الملهمة المتجددة في طوفان غزة ومحرقتها، والتي تنوعت عبر أكثر من قرن من الزمن ومنذ وعد بلفور وتم تقديم تضحيات جسام، وتقويض مبررات وجود الكيان الوظيفي عبر وسائل أساليب عدة سواء عسكرياً وسياسياً واعلامياً وأمنياً وقانونياً واقتصادياً داخلياً وخارجياً، وهذا يحتاج مزاوجة ذكية وإدارة صراع حكيمة بين المقاومة كذراع والسياسة كوعاء يحصد ثمار الفعل الميداني، حيث أن البنادق غير المسيسة قاطعة طريق.