فلسطين أون لاين

الكبار يجوعون لإطعام الصغار.. مآسي سكان شمال غزة مع محاولات البقاء

...
صورة تعبيرية
غزة - فلسطين أون لاين

مع اجتياح شبح الموت والدمار قطاع غزة، تبذل العائلات ما في وسعها من أجل البقاء بما تبقى من مقومات الحياة. فقد أصبح مخيم جباليا للاجئين أشبه بمدينة أشباح وسط أنقاض الحرب المستمرة منذ أكثر من 127 يومًا. وبدأت المجاعة تلوح في الأفق مع نفاد حتى أكثر المواد أساسية، مثل الأغذية الصالحة للأكل، والمياه الآمنة، وأبسط إمدادات الوقود.

لم يتخيل الفلسطينيون في قطاع غزة أن يمر عليهم يوم لا يجدون فيه ما يأكلونه، حتى أنهم باتوا يطحنون أعلاف الحيوانات لصنع الدقيق منه وإطعام أطفالهم الجياع.

ويكافح المواطن عبد المجيد سلمان، المقيم في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، من أجل إبقاء أسرته على قيد الحياة. وعلى الرغم من عدم تمكنه من العثور على عمل أو تأمين دخل مهما كان بسيطًا، إلا أنه يبذل كل ما في وسعه لإحضار أي شكل من أشكال الطعام إلى المنزل، حتى لو لم يكن مخصصا للاستهلاك الآدمي.

الكبار يجوعون لإطعام الصغار

يقول السيد سلمان إن سعر رطل الطحين الواحد أصبح يساوي ما بين مائة و110 شيكل، في حين كان سعر ما يسمى بـ "كيس المونة" ما بين 30 إلى 40 شيكل قبل هذه الحرب.

"لا يمكنك القول للصغار إنه لا يوجد خبز. فهم يصحون في الصباح ويريدون الطعام. أما الكبار، فيستطيعون التعامل مع الوضع ويأكلون لو نصف رغيف".

وقال عبد المجيد سلمان إن عائلته تحتاج إلى حوالي 80 شيكل – أي ما يعادل حولي 22 دولارًا –لتناول وجبة طعام واحدة، إن تم العثور على مكوناتها في الأسواق، وهي "بالكاد تكفي لنُشبع الأطفال".

يقول السيد عبد المجيد إنه يقضي يومه في جمع الحطب للخبز والطهي بسبب انقطاع الغاز، حيث يبحث عن الأخشاب في مخلفات المباني التي جرفتها القوات الإسرائيلية.

من جهته، قال برنامج الغذاء العالمي إن سكان قطاع غزة يعيشون "كارثة إنسانية كبيرة"، وسط الجوع والمجاعة وانتشار الأمراض.

وكشف مدير برنامج الأغذية العالمي في فلسطين أن "هناك إحصائيات أممية أجريت في ديسمبر/كانون الأول الماضي، تشير إلى أن 300 ألف شخص على الأقل في شمال القطاع معرضون للموت جوعًا"، موضحًا أن "غزة تعيش عدة أزمات، وفي مقدمتها عدم توفر الرعاية الصحية، والجوع".

وكان برنامج الغذاء العالمي قد ذكر، الشهر الماضي، أن كميات قليلة جدًا من المساعدات الغذائية تجاوزت جنوبي قطاع غزة إلى شماله منذ بداية الحرب، مؤكدًا أن خطر تشكّل جيوب مجاعة في مناطق بالقطاع لا يزال قائمًا.

وهو ما أكدته وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، في يناير/كانون الثاني الماضي، عندما قالت إن 750 ألف شخص في قطاع غزة يواجهون جوعًا كارثيًا.

ولرفع الصوت عاليًا، انتشر وسم على منصات التواصل الاجتماعي بعنوان "شمال غزة يجوع"، في محاولة لإيصال الصورة الكارثية التي يعانيها الفلسطينيون، كاملة، إلى جميع الأطراف.

وثق مقطع مصور لحظات مؤلمة لأم فلسطينية وهي تحاول إسكات جوع طفلها حديث الولادة عبر إرضاعه "ماء التمر"، بسبب عدم قدرتها على شراء الحليب، في ظل كارثة إنسانية غير مسبوقة تفتك بالفلسطينيين في قطاع غزة جراء تواصل العدوان الإسرائيلي.

وقالت الأم الغزية فريدة أحمد مطر، إنها اضطرت للولادة في ظل ظروف العدوان الإسرائيلي والحصار الخانق الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، وفقا لما نقلته وكالة الأناضول.

وذكرت فريدة أنها نزحت مع عائلتها من مخيم جباليا، عندما بدأ العدوان الإسرائيلي بحثًا عن مناطق أكثر أمانًا، قائلة إن "الظروف كانت سيئة للغاية عندما أنجبت طفلي، وكانت القوات الإسرائيلية في المنطقة، والمستشفى الذي ذهبت إليه لم يكن به سوى طبيب واحد يعمل في قسم الولادة وكان هناك العديد من المرضى".

وأضافت أن الطبيب "لم يتمكن من تقديم الرعاية الصحية الكافية للجميع، حيث إنه طلب مني الخروج بعد 5- 10 دقائق من الولادة، لوجود العديد من الجرحى والمرضى بانتظار تلقي العلاج".

وأظهرت بيانات أولية من الأمم المتحدة، أن واحد من بين كل عشرة أطفال في غزة دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد، بسبب العدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر.

ووفقًا لمذكرة صادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، بينت قياسات محيط أذرع آلاف الأطفال الصغار والرضع أن 9.6 بالمئة منهم يعانون من سوء التغذية الحاد، وهو ما يمثل ارتفاعا بنحو 12 مثلا عن مستويات ما قبل العدوان.

وذكرت الأمم المتحدة، أن معدلات "سوء التغذية الحاد" في شمال غزة، بلغت 16.2 بالمئة أو واحدًا من كل ستة أطفال.

وفي السياق، قالت رئيسة لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة آن سكيلتون، إنه لا يوجد اليوم أي طفل بقطاع غزة خالٍ من "الخوف والألم والجوع".

وقبل شهرين، قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، إن أكثر من 80% من الأطفال في قطاع غزة "يعانون من فقر غذائي حاد".

في ظل استمرارها في سياسة التعنت وحرب "الإبادة الجماعية"، رفضت حكومة الاحتلال 22 طلبًا قدمه مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" خلال الشهر الماضي، من أجل تأمين الطريق لإيصال المساعدات الإنسانية إلى شمال قطاع غزة المحاصر.

وأوضح مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، في تصريح صحافي، أنه قدم خلال يناير/كانون الثاني الماضي 22 طلبًا لـ "إسرائيل" من أجل فتح حواجز التفتيش بغية الوصول بسرعة وصول المساعدات، لكن لم يتلق أي رد بخصوص تلك الطلبات.

وتواصل "إسرائيل"عرقلة وصول معظم المساعدات إلى شمال قطاع غزة، وبحسب المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، فإن 10 عمليات مساعدات فقط وصلت شمال قطاع غزة المحاصر، من أصل 61 عملية في يناير/كانون الثاني.

وحذرت تقارير أممية، من أن 2.2 مليون شخص معرضون لخطر المجاعة في قطاع غزة الواقع تحت هجوم مكثف من قبل الاحتلال الإسرائيلي منذ 4 أشهر، ما تسبب في استشهاد أكثر من 27 ألف فلسطيني أغلبهم من النساء والأطفال.

بينما قال مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في الغذاء مايكل فخري، إن "إسرائيل" استخدمت القوة غير المتناسبة ضد المدنيين في هجماتها على غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كما استعملت الجوع "وسيلة قمع" للمدنيين، وارتكاب "جريمة إبادة جماعية".

ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي عدوانًا وحشيًا بدعم أمريكي على غزة خلفت حتى الثلاثاء 6 فبراير/شباط، 27 ألفًا و585 شهيدًا و66 ألفًا و978 مصابًا، معظمهم أطفال ونساء، وفق السلطات الفلسطينية، وتسببت في "دمار هائل وكارثة إنسانية غير مسبوقة"، بحسب الأمم المتحدة.