فلسطين أون لاين

كفن واحد احتضن أشلاء زوجته وأطفاله

تقرير زياد المقيد .. رحيل عائلته لم يثنه عن مواصلة عمله الصحفي

...
زياد المقيد .. رحيل عائلته لم يثنه عن مواصلة عمله الصحفي
غزة/ يحيى اليعقوبي:

كغيره من الصحفيين الفلسطينيين ومع بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة غادر الصحفي زياد المقيد الذي يعمل بفضائية الأقصى منزله يوم السابع من أكتوبر/ تشرين أول 2023، وتفرغ لخدمة قضيته ونقل الحقيقة بتواجده بمجمع ناصر الطبي بمحافظة خان يونس لمتابعة تطورات العدوان وما يصل المشفى من شهداء وجرحى.

صباح الثلاثاء الموافق 17 أكتوبر من الشهر ذاته، كان الخبر الذي تلقاه المقيد مختلفا عن كل الأخبار التي أذاعها لمجازر وجرائم الاحتلال، حينما اتصل به أحد جيرانه ونقل إليه الخبر ببضع كلمات ارتبك المتصل في كيفية إيصالها: "تم قصف بيتك وربنا يعوضك عوض خير" وكان القصفُ دون سابق إنذار لبيته.

بدموع عينيه نقل الخبر الذي لم تكتمل تفاصيله في أول اللحظات لزملائه وغادر المشفى متجها نحو منزله الواقع بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، كانت تفاصيل المكالمة الأخيرة مع عائلته قبل يوم من الاستهداف تداهمه في الطريق، فكانت أطول مكالمة هاتفية بين مكالمات عديدة تحدث فيها مع عائلته قبل الاستهداف.

 تمنى أن يجد ابنته "سما" على قيد الحياة ليهنئها بيوم ميلادها الحادي عشر الذي يوافق اليوم التالي للاستهداف (مواليد 18 أكتوبر 2012) وطلبت منه خلال المكالمة الأخيرة أن يعود للمنزل ليقيم لها يوم ميلاد يدخل الفرحة على قلبها بين الأحداث المؤلمة ووعدها أن يأتي صباح اليوم التالي ومعه ما طلبته منه.

أشلاء بكفن واحد

داهمته كلماتها من بداية الحرب في كل اتصال هاتفي وصوتها المرتعد "أنا خايفة كتير وبدي أموت" كان يخشى أن يتحقق ما كانت تتخوف منه الطفلة وهي تطلب منه أن يعود للمنزل، قبل أن يقطع تلك الذكريات رنين هاتفه وكان المتصل زميلا صحفيا يواسيه "ربنا يعوضك خيرًا، احنا واقفين فوق ركام منزلك، وابنك محمد معنا وهو بخير".

جفف الخبر بعضًا من دموعه، وزاد أمله بأن يجد مزيدا من الناجين، "وصلت وكان الناس يتجمعون فوق ركام المنزل، يبحثون عن باقي العائلة ولم يتمكنوا من إخراج أي شخص وكان جميعهم أشلاء تناثرت على بيوت الجيران وتحت الركام ولم أجد أي جسد مكتمل حتى البيت دفن في حفرة عميقة بالأرض وكأنها ابتلعته" يحاول المقيد التماسك وهو يروي تفاصيل الفاجعة لصحيفة "فلسطين".

جمع أشلاء زوجته سماح المقيد (35 عاما) وهي معلمة تربية إسلامية وهي الابنة الوحيدة لعائلتها ولديها ثلاثة أشقاء، وأطفاله الشهداء سما (11 عاما) التي لم توقد شمعة ميلادها الحادية عشرة رغم أمنيتها أن تفرح بتلك الذكرى مع والدها، وعبد الله (7 أعوام) وزين (3 أعوام) واستشهد مع عائلته حماته التي كانت في زيارة لهم، ونجى من المجزرة ابنه "محمد" الذي أرسلته أمه لتعبئة المياه المحلاة وكان خارج المنزل لحظة الاستهداف المباشر، ووراهم الثرى.

جثى على كفن واحد واحتضن بذراعيه أشلاء زوجته وأطفاله كما احتضنهم قبر واحد دونت عليه أسماؤهم، وهو يذرف دموعا حارقة من حجم الفاجعة والصدمة التي أخذت كل عائلته في لمح البصر بعد حياة طويلة وأمنياته وأحلام كان يسهر على تحقيقها لهم، ليكمل حياته هو نجله الناجي الوحيد من المجزرة.

أوفى المقيد لطفلته وعاد لمنزله لكنه لم يجد "سما" بانتظاره، وبدلا من أن يهنئها بيوم ميلادها، واراها الثرى وأقام بيت عزاء لها، وهذا حال المئات الذين تبدلت أفراحهم المنتظرة وتحولت إلى أحزان ومآتم، فلم تكتمل تلك الأفراح ولم تنبت الأحلام في بساتين الأمل.

امتازت طفلته سما بتفوقها المدرسي وكانت من أوائل المدرسة وأتمت حفظ 8 أجزاء من القرآن الكريم، أما عبد الله فكان يشغل نفسه طوال الوقت بالكتابة والقراءة وحفظ ثلاثة أجزاء من القرآن، وفي اليوم التالي فجع بخبر استشهاد والد زوجته بقصف مسجد السلام بدير البلح بعد صلاة المغرب، علما أنه إمام المسجد.

خيمة صغيرة

بداخل خيمة للصحفيين أمام المستشفى "الكويتي" بمحافظة رفح، يواصل المقيد عمله الإعلامي بشكل متواصل وهو يطل بها على العالم متغلبا على فاجعة الفقد ومتحديا الاحتلال بمواصلة رسالته، "الاحتلال يستهدف الصحفيين لأنه يعلم جيدا كم الصورة مؤلمة والحقيقة التي ينقلها الصحفي للعالم تحرجه وتكشف زيف كذبه أمام العالم" يعلق وهو يجلس بداخل الخيمة.

يدرك المقيد أهمية العمل الصحفي في توثيق جرائم الاحتلال أثناء العدوان، وهذا أعطاه دافعا على تضميد جراحه وتجفيف دمعه ومواصلة عمله.

بنبرة إصرار يؤكد"ما حدث معي لم ولن يثنيني عن مواصلة عملي المهني في نقل رسالة شعبي للعالم وفضح جرائم الاحتلال وسأستمر بِنَفسْ المقاوم الذي كنت عليه قبل الفاجعة".

وقال "كصحفي فلسطيني أقاوم برسالتي وصوتي ونقل الصورة وجرائم الاحتلال وإظهار الحقيقة دون تردد، فرسالتي هي رسالة إنسانية أقسمت عليها منذ أن عملت في هذا المجال وأيضا رسالتي هي أن يوصل صوت شعبي المكلوم وأن أنصر قضيته".

وتابع بكلمات نابعة من قلب تجرع الفاجعة "رسالتي للزملاء الصحفيين أن أبقوا على العهد في مواصلة الرسالة رغم هذا الألم"، موجها رسالة للصحافة العربية والعالمية هي الاستمرار في نقل جرائم الاحتلال ونصرة الصحفي الفلسطيني وتوفير الحماية الدولية له.

المقيد واحد من عشرات الصحفيين الفلسطينيين الذين فقدوا عائلاتهم ولا زالوا ينقلون الصورة والكلمة والصوت للعالم، يدركون أن نقل الحقيقة هي أهم معركة لمواجهة العدوان الإسرائيلي وفضح جرائم الاحتلال للعالم، فبات الصحفي الفلسطيني هدفا مباشرا للاحتلال.

المصدر / فلسطين أون لاين