إلى الشمال من مدينة نابلس وتحديدًا في التلال المقابلة لقرى زواتا وأجنسينيا والناقورة وقع الاختيار قبل سنوات على قطعة أرضٍ فوق إحدى التلال لإقامة حي سكني بعد أن تبلورت الفكرة من قبل العديد من الموظفين الحكوميين لإقامة مسكن الأحلام ليكون مستقرًا لهم.
تُرجمت الفكرة وتحولت من الحلم إلى الواقع؛ حيث أُسست جمعية سكانية باسم جمعية الأفق الخيرية لتبدأ أولى خطواتها بشراء أرض على إحدى تلال بلدة زواتا إلى الشمال الغربي من مدينة نابلس؛ ومن ثم البدء الفعلي بمراحل البناء للوحدات السكنية.
وُلدت فكرة "إسكان الأفق" نسبةً إلى الجمعية التي أُنشئت؛ وبدأت أعمدة الإسكان تتصاعد كما الجدران؛ تأكل من رواتب الموظفين الذين أخذوا يقتطعون جزءًا من أموالهم لهذا "الإسكان" الذي بات بالنسبة إليهم "مشروع العمر".
واليوم أصبح اسم "إسكان الأفق" وحكايته على لسان كل شخصٍ يفكر بأن يغامر بمثل تلك المشاريع، بعد أن أضحى المشروع غرفًا فارغة؛ ومساكن تفتقد إلى السكان في ظل انعدام مقومات العيش فيها.
يقول هاني مقبول القائم بأعمال رئيس الجمعية في حديثٍ مع "فلسطين": "بدأت معالم الفكرة في مطلع عام 1997 تزامنًا مع ظهور العديد من المشاريع الإسكانية والاستثمارية".
وأضاف: "بعد مداولاتٍ ومشاورات قرر العديد من الموظفين وتحديدًا المعلمين المساهمة لشراء قطعة أرض لإقامة حي سكني خاص بهم؛ ولإنجاح ذلك تم تشكيل جمعية خيرية حملت اسم "الأفق" لتبدأ بعدها رحلة العمل ابتداءً بشراء الأرض ومن ثم البناء".
مع بدايات العمل بالمشروع كانت هناك تطمينات بأن يحصل هذا الإسكان على الدعم والتسهيلات الكاملة على صعيد "البنية التحتية"؛ وعليه تهافتَ العشرات من المعلمين للمشاركة في المشروع؛ وبدؤوا باقتطاع جزءٍ من رواتبهم حتى أنهم أوشكوا على إنهاء ما عليهم من مستحقاتٍ مالية بناءً على الاتفاق.
تم بناء 173 وحدة سكنية كل وحدة تحتوي على شقتين؛ فالشقق جاهزة منذ سنوات؛ ولكن ما يعيق الاستمرار في إصلاحها وترميمها هو غياب أي تجهيزات أو مقومات لإنجاحها؛ يوضح مقبول الأسباب بالقول: "لا شوارع ولا إضاءة ولا شبكة مياه لها حتى الآن؛ بل إن أغلب المؤسسات المعنية ما زالت تتنكر لهذا "الإسكان" كونه يقع خارج نطاق سيطرة السلطة الفلسطينية".
وأشار مقبول إلى أن الموظفين الآن يكتفون بندب حظهم بعد أن دفعوا الآلاف من الدنانير في سبيل بناء تلك الوحدة السكنية، في الوقت الذي اضطر جميعهم إلى استئجار شقق سكنية في المدينة بعد أن تأخر إنهاء تلك الوحدات السكنية الأمر الذي ضاعف من خسائرهم، فهم من جهةٍ يدفعون المال لصالح إنهاء بناء الشقق وتجهيزها وفي نفس الوقت وعلى مدار ما لا يقل عن 17 عامًا يدفعون إيجارًا لشققٍ سكنية أخرى في المناطق التي يسكنون فيها حاليًا؛ حسب قوله.
وبدت معنويات أحد المعلمين المتضررين ليست على ما يرام؛ فقد اشتكى من أن تأخر إنجاز هذا المشروع تسبب بخسائر كبيرة كونهم موظفين "محدودي الدخل"؛ متابعًا: "في بداية الأمر اعتقدنا بأن بناء الشقق وتجهيز الحي السكني لا يستغرق أكثر من ثلاثة أعوام على أبعد تقدير؛ لنتفاجأ بعدها بوضع عراقيل للبناء ومن ثم عدم توفير الخدمات المتعلقة بالبنية التحتية، فتارة كانت الذريعة الاحتلال وإغلاق الطرق في بدايات الانتفاضة عام 2000 ومن ثم بدأت الحجج الأخرى تنهال وفي مقدمتها بأن المنطقة خارج نطاق السيطرة الفلسطينية؛ وعدم إمكانية إقامة أي مشاريع بنية تحتية لنجد أنفسنا أمام سراب بعد أن توهمنا بحتمية تحقق الحلم".
وتابع: "الآن نحن نسكن بالإيجار في شقق بمدينة نابلس؛ في المقابل نجد الكثير من المسؤولين عن تلك المشاريع أصبح لديهم بيوت أخرى في مدينة نابلس"، في إشارة منه إلى أن هؤلاء قد استفادوا ماديًا من وراء تلك المشاريع الإسكانية.
وختم حديثه: "من المحزن أن العديد من المعلمين الذين كانوا ينتظرون تحقيق حلمهم بامتلاك تلك الشقق قد التحقوا بالرفيق الأعلى؛ وما زالت تلك الشقق لم ينتهِ تجهيزها".
ويخشى العديد من المعلمين بأن يكون مصير هذا المشروع الفشل الكامل في ظل التجاهل الرسمي والمؤسساتي والنقابي؛ وتزامنًا مع وجود بدايات لتحويل تلك المنطقة إلى ميدانٍ لتدريب جنود الاحتلال الذين وجدوا فيها لأكثر من مرة.

