يجد الأطفال في عالم الرسوم المتحركة والأفلام والكتب التي تسرد قصص الأبطال الخارقين، مصدر إلهام يدفعهم لتقمص الشخصيات والأدوار، ويطرح ذلك العديد من التساؤلات حول أثر تعلق الأطفال بالشخصيات الخارقة على نفسيتهم وسلوكهم الاجتماعي.
أحمد عمار (7 سنوات) من بين هؤلاء الأطفال الذي يعشقون قصص البطولة، كما تخبر والدته، خاصة تلك الشخصيات التي تحمل قيم الخير والعدالة، وتقول: إنهم لاحظوا في البداية تحسنًا في تفاعله مع أقرانه وتطورًا في ثقته بنفسه.
فيما بعد بات طفل عمار مقلدًا للشخصيات في سلوكياتها العدوانية لتحقيق العدالة المنشودة، وأصبح الخوف يتملكها من أن يلحق بنفسه أو بشقيقه الأصغر منه أي ضرر جسدي، ومشاكل سلوكية مع محيطه الاجتماعي، إلى جانب تحول هذا الشغف إلى هوس بشخصيات سبايدرمان، وسوبرمان، وباتمان وإصراره على اقتناء حقائب وملابس تحمل صورهم.
أما يوسف إسماعيل (8 سنوات) فتقول أمه أنه كان يعاني مخاوفًا في أبسط المواقف، ولكن بعد متابعته لمسلسل كرتوني لمثل تلك الشخصيات الخارقة استطاع أن يتغلب على مخاوفه، وبات يستوحي القوة من تلك الشخصية ويتعلم كيف يواجه مخاوفه بثقة أكبر، ولكن مخاوف والدته أن تظهر بعض السلوكيات الخاطئة والتعلق السلبي بتلك الشخصيات.
وفي دراسة تهدف إلى فهم التأثيرات السلبية والإيجابية لانشغال الأطفال بالأبطال الخارقين، يقول الخبير في علم نفس الأطفال د. لانس جاريسون: إن الصفات المحببة لدى الأطفال في شخصياتهم الخارقة تشمل الشجاعة والشهامة والكرم والصدق وحب تحقيق العدالة، ومن هذا المنطلق، يمكن للأبطال الخارقين أن يلعبوا دورًا هامًا في تعزيز الثقة والراحة لدى الأطفال في حياتهم.
وفي الوقت نفسه يوصي جاريسون الآباء والمربين بالتعامل مع اهتمامات أطفالهم هذه بحذر وذكاء، وتناول الجوانب الإيجابية والسلبية لاهتمام الطفل بالشخصية الخارقة، وذلك بهدف تطوير شخصياتهم وتعزيز تفهمهم للفروق بين الواقع والخيال، محذرًا من خطورة تقليد السلوكيات الخطرة من الشخصيات الخارقة، مثل القفز من مرتفعات أو استخدام أدوات حادة، إضافة إلى التأكيد على ضرورة مناقشة ومراقبة الأطفال في أثناء مشاهدتهم للأبطال الخارقين وتوجيه تفاعلاتهم معهم.
تأثيرات سلبية
وتتحدث الاختصاصية النفسية والتربوية د. سجود المدهون بأن الكثير من الأطفال يحبون تقمص الشخصيات الكرتونية، كنوع من الخيال العقلي السارح، مؤكدة أن الجلوس أمام التلفاز أو الأجهزة اللوحية لفترات طويلة يعد عاملًا لظهور مشكلات نفسية وسلوكية.
وتعد مشكلات فرط الحركة وقلة الانتباه، والشعور بالخوف أحيانًا والرهاب الاجتماعي، والعزلة ليتقمصوا الشخصية، والانطوائية والعدوانية من بين تلك المشكلات التي يستدعي حلها جهداً كبيراً خاصة إذا ما أدمن عليها الطفل في سنوات عمره الأولى.
وتعزو المدهون تعلق الطفل بتلك الشخصيات إلى أن دماغ الطفل يكون في حالة استيعابية كبيرة فعقله يمتص ما يراه من حركات وصور وألوان جذابة كالإسفنجة، إلى جانب إهمال الأهل للطفل وتركه أما الشاشة دون ضبط إيقاع ساعات المشاهدة ونمطها، فنحن نريد أن نقنن للطفل المشاهدة وأن نعرف ماذا يشاهد؟"، مشيرة كذلك إلى عدم اختلاطه بالأطفال الآخرين خارج البيت.
وتقول لصحيفة "فلسطين": "قد ينغمس الطفل في عالم خيالي خاص به مبتعدًا عن واقع الحياة، نتيجة لاعتقاده القاطع بأن عالم الأبطال الخارقين حقيقي، ما يؤثر في سلوكه، فقد يتجاوب وفقًا لتلك الشخصيات الخارقة، ما يخلق حالة من العدوانية".
ومن التأثيرات السلبية أيضًا، وفقاً للمدهون، أن التعلق بالأبطال الخارقين يمكن أن يخلقوا توقعات غير واقعية بالنسبة للأطفال، ويجعلونهم يشعرون بأنه يجب أن يكونوا "مثاليين" في كل شيء، وقد يتطور ذلك إلى شعور بالضغط والقلق عندما لا يتمكن الأطفال من تحقيق ما يرونه في شخصيات الأبطال.
نصائح
ولا تنفي الاختصاصية التربوية وجود تأثيرات إيجابية لرسوم الأبطال الخارقين المتحركة تسهم في تنمية خيال الأطفال وتشجيعهم على التفكير الإيجابي وحل المشكلات، "ويساعد ذلك في تطوير مهاراتهم الاجتماعية وتعزيز ثقتهم بأنفسهم".
وتنصح المدهون بضرورة إدارة وقت الطفل إيجابيًا وإعطائه مساحة من الحب، والوقت للحديث مع والديه، ومشاركته في مشاهدة تلك الأفلام والرسوم لأجل توجيه وتعديل السلوكيات السلبية في ذات الوقت، وتعزيز الطفل إيجابيًا.
وتحث أيضاً الأهل على توضيح الفرق بين العالم الخيالي والواقعي حتى لا يغوص الطفل في عالمه الخاص بعيدًا عن واقع الحياة اليومية بتقليده للأبطال الخارقين واتباع سلوكياتهم، وذلك لضمان تطور سلوكه بطريقة صحيحة ومتوازنة.