فلسطين أون لاين

من بيسان إلى قباطية.. كيف كسرت عملية فردية معادلات الأمن الإسرائيلي؟

...
صورة من مكان العملية البطولية شمال فلسطين المحتلة
غزة/ عبد الله التركماني

لا يمكن قراءة عملية بيسان والعفولة بصفتها حدثا أمنيا معزولا أو رد فعل فرديا، بل تأتي في سياق تراكمي فرضته سياسات إسرائيلية طويلة الأمد تقوم على القمع الممنهج، وتوسيع الاستيطان، والتضييق الاقتصادي والأمني على الفلسطينيين، ولا سيما في شمال الضفة الغربية.

ويشير هذا التقدير إلى أن فشل المنظومة الأمنية الإسرائيلية في منع العملية، على الرغم من القبضة الحديدية والتنسيق الأمني والحواجز، يعكس مأزقا بنيويا تعيشه دولة الاحتلال، إذ لم تعد أدوات الردع التقليدية كافية، في حين تُستخدم العمليات ذريعة لتوسيع العقاب الجماعي وتكريس خطاب سياسي داخلي أكثر تطرفا، دون معالجة الجذور الحقيقية للعنف.

ملخص العملية وحيثياتها

وقعت عملية بيسان أمس، على مراحل متتالية خلال نحو خمسين دقيقة، ونفذها فلسطيني من بلدة قباطية جنوب جنين، مستخدما الدهس والطعن في ثلاثة مواقع متفرقة داخل مدينة بيسان ومدينة العفولة شمال الداخل المحتل.

وأسفرت العملية عن مقتل إسرائيليين اثنين وإصابة آخرين بجروح متفاوتة، قبل أن يتم إطلاق النار على المنفذ واعتقاله وهو مصاب. وأظهرت التحقيقات الإسرائيلية الأولية أن المنفذ تنقل بحرية نسبية بين المواقع، ما أثار تساؤلات داخل دولة الاحتلال حول الثغرات الأمنية.

وأعقب العملية رد عسكري إسرائيلي واسع تمثل في اقتحام قباطية، وفرض طوق أمني، وبدء إجراءات هدم منزل المنفذ، إلى جانب تصعيد سياسي وإعلامي استُخدم لتبرير توسيع العمليات العسكرية في شمال الضفة الغربية، وطرح مطالبات بتشديد العقوبات، في ظل مناخ إسرائيلي داخلي يتجه نحو مزيد من التطرف والتشريع العقابي.

وقال المحلل السياسي طلال عوكل لـ "فلسطين أون لاين" إن عملية بيسان تمثل مؤشرا بالغ الدلالة على فشل المنظومة الامنية الاسرائيلية، رغم كل ما تملكه من أدوات رقابة وتكنولوجيا وسيطرة ميدانية، موضحا أن "تنفيذ هجوم متحرك في ثلاث نقاط خلال خمسين دقيقة يكشف حالة ارباك عميقة ويؤكد أن الاحتلال لا يستطيع ضمان الامن حتى داخل العمق الذي يعتبره مستقرا".

وأضاف عوكل أن العملية لا يمكن فصلها عن السياق العام للتصعيد الاسرائيلي المتواصل في الضفة الغربية، وخاصة في جنين وقباطية، قائلا: "نحن امام نتيجة طبيعية لسياسة القتل اليومي والاقتحامات وهدم المنازل وتجفيف الحياة، حين يُدفع الفلسطيني الى حافة اليأس، تتحول المبادرة الفردية الى اداة مقاومة، حتى دون قرار تنظيمي مباشر".

وأشار إلى أن تعدد اماكن التنفيذ وطبيعة الادوات المستخدمة "يعكسان تحولا في نمط الفعل المقاوم، من العمليات المركزة الى العمليات المتحركة، وهو نمط يربك الاحتلال لأنه يكسر توقعاته ويستنزف قواته على مساحة زمنية وجغرافية اوسع".

وأضاف عوكل أن التهديد بهدم المنازل واقتحام قباطية "ليس جديدا، لكنه يعمق الفشل، لان كل بيت يُهدم ينتج وعيا جديدا بالمقاومة، وكل عملية عقاب جماعي توسع دائرة الغضب وتعيد انتاج العنف".

وأكد أن الرد الاسرائيلي الحالي "يعتمد على منطق القوة العارية، دون افق سياسي، ودون قراءة حقيقية للواقع الفلسطيني"، موضحا أن "دولة الاحتلال تتصرف كمن يطفئ النار بالوقود، فبدلا من معالجة اسباب الانفجار، تلجأ إلى مزيد من القمع الذي يسرع الانفجار التالي".

وختم بالقول: "ما جرى في بيسان ليس حدثا معزولا، بل رسالة سياسية ميدانية تقول إن السيطرة العسكرية لا تعني نهاية الصراع، وإن الامن الذي يتحدث عنه قادة الاحتلال هش وقابل للانكسار في اي لحظة، طالما استمرت سياسة الاحتلال بلا ثمن سياسي".

ضربة نوعية

من جانبه، يرى الخبير في الشؤون الإسرائيلية وديع أبو نصار أن عملية بيسان والعفولة تمثل ضربة نوعية لمفهوم الأمن الإسرائيلي، وتكشف عن فشل مركب في المنظومات الاستخبارية والميدانية، رغم كل الإجراءات المشددة التي تفرضها حكومة الاحتلال منذ أكثر من عامين.

ويقول أبو نصار لـ"فلسطين أون لاين" إن "الحديث الإسرائيلي عن السيطرة الأمنية الكاملة هو خطاب سياسي أكثر منه واقعا ميدانيا، فما حدث يؤكد أن الأجهزة الإسرائيلية، رغم التنسيق بين الشرطة والجيش والشاباك، عاجزة عن منع عمليات فردية أو شبه منظمة، خاصة عندما تتقاطع الدوافع الشخصية مع السياق السياسي العام".

ويضيف أن "تنفيذ هجوم في أكثر من موقع، وعلى امتداد زمني وصل إلى نحو خمسين دقيقة، دون تحييد المنفذ منذ اللحظة الأولى، يشير إلى خلل في سرعة الاستجابة، وفي تقدير الموقف، وفي توزيع القوات، وهو أمر بالغ الخطورة في العقيدة الأمنية الإسرائيلية التي تقوم على الحسم السريع".

ويؤكد أبو نصار أن "إسرائيل استثمرت مليارات الشواكل في التكنولوجيا، والكاميرات، والذكاء الاصطناعي، لكنها فشلت في معالجة العامل الإنساني والسياسي، أي أسباب الغضب المتراكم، وهذا ما يجعل كل هذه الأدوات عاجزة عن توفير أمن حقيقي".

وحول هوية المنفذ ودلالات العملية، يشير أبو نصار إلى أن التركيز الإسرائيلي على انتماء المنفذ أو وصفه بـمقيم غير شرعي هو محاولة للهروب من السياق الأوسع، قائلا: "حتى لو كان المنفذ معروفا للأجهزة الأمنية، أو سبق اعتقاله، فهذا لا يعني أن دولة الاحتلال نجحت في ردعه، بل العكس تماما، هو دليل على أن سياسة السجون والاقتحامات والعقاب الجماعي لم تنتج ردعا بل عمقت دوافع المواجهة".

ويتابع: "اللافت أن دولة الاحتلال تحاول حصر العملية في إطار تنظيمي ضيق، بينما الواقع يشير إلى بيئة انفجارية عامة في الضفة الغربية، خاصة في مناطق مثل جنين وقباطية، حيث يعيش الناس تحت ضغط عسكري واقتصادي ونفسي دائم، ما يجعل أي شخص مشروعا لعمل انتقامي في نظر الاحتلال".

ويشدد أبو نصار على أن "غياب التبني الفوري من الفصائل لا يقلل من دلالة العملية، بل يعزز فرضية التحول نحو مبادرات فردية أو شبه فردية، وهو ما تعتبره إسرائيل التهديد الأخطر لأنها لا يمكن التنبؤ به أو تفكيكه مسبقا".

ويختم بالقول إن "دولة الاحتلال اليوم أمام معضلة حقيقية، فهي لا تستطيع إنهاء الاحتلال، ولا تستطيع التعايش مع تبعاته الأمنية، وكل عملية من هذا النوع تعيد طرح السؤال الجوهري داخل المجتمع الإسرائيلي: هل ما نعيشه هو أمن فعلي أم وهم أمني مؤقت".

المصدر / فلسطين أون لاين